الأربعاء 27 مارس 2024

أمناء يرقصون : قصة عن الصدق والأمانة

تم التحديث في: 2023-02-02

لطالما كانت الأمانة موضع ثقل ومسؤولية كبيرة على حاملها ، ولله الحكمة والكمال في قوله عز وجل : ‘  إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ‘ ( الأحزاب 72 ) ، وقصتنا اليوم عن ملك كاد أن ييأس من العثور على رجل أمين يجعله على بيت ماله لولا أنه وجد بغيته من بين أمناء يرقصون ! فدعونا نكتشف القصة .

ملك عادل وسط لصوص !

كان نابّوسان من أفضل ملوك آسيا ، وكان محل ثناء الناس ورضاهم ، ولكنه كان مغشوشا دائما ؛ إذ كان على خزائن أمواله لصوص لا يفتأون يسرقون . واستبدل الملك أمناء خزائنه عدة مرات ، وعاقب العقاب الشديد ولكن ذلك لم يفد شيئا ؛ فإن الأمناء كانوا يستحوذون على النصيب الأكبر من الدخل ، يستصفونه لأنفسهم ، كأن الأمر سنّة مقررة ، يأخذها الخلف عن السلف .

وشكا الملك ذات يوم خيانة أمانه للحكيم ‘ صادق ‘ قائلا : أيها الحكيم ، إنك بصير بالنفوس ، مطلع على خباياها ؛ فهل تعرف وسيلة للعثور على الرجل الأمين الذي يستحق أن أجعله على خزائني ؟

فقال الحكيم : إن هذا شيء هيّن ، فإني أعرف الوسيلة للعثور على الرجل الذي تنشده ..

اختبار غريب !

فرح الملك فرحا شديدا وسأل في لهفة : ما عسى أن تكون هذه الوسيلة أيها الحكيم ؟ 

الحكيم : أعلن في الناس أنك تريد أمينا لخزانة أموالك ، حتى إذا اجتمعوا عندك ، أمرتهم بأن يرقصوا ، ثم انظر أيهم يرقص رقصا خفيفا نشيطا فلتختره ؛ فإنه لا شك سيكون الخازن الأمين .

الملك : أتسخر مني يا هذا ؟ إنها حقا طريقة غريبة لاختيار الأمناء ! أتزعم أن أحسن الناس وثبا ؛ وأنشطهم حركة هو الرجل الأمين ؟ ألا يكون أهلا لثقتنا ، وموضعا لأمانتنا إلا من يرقص الرقص الخفيف ؟

الحكيم : لا أؤكد ذلك أيها الملك ؛ بيد أني أعتقد أنه سيكون أوفرهم حظا من الأمانة .

وكان الحكيم صادق يقول هذا في ثقة وعزم ، شأن الرجل الذي يتحدث واثقا بصحة كلامه ، حتى خيّل إلى الملك أن لديه سرا خارقا يعرف به دخائل الرجال .

فقال صادق : أنا لا أعرف ولا أثق بخدع السحر ، وقد ضقت دائما بالذين يخوضون فيها ، فإذا أذنت جلالتك لي في تنظيم الأمر ، فسترى أن الأمر يسير لا عسر فيه ولا التواء ، وأنه أبعد ما يكون عن السحر والسحرة .

أذن الملك لصادق ، وفي اليوم نفسه أمر أن يعلن باسم الملك بأن من يريد أن يرشح نفسه أمينا لخزانة المال ، فما عليه إلا أن يتخذ ثوبا رقيا ، وأن يسعى إلى قصر الملك في موعد عيّنه لهم .

وقد حضر أربعة وستون رجلا في الموعد المقرر ، فأدخلوا واحدا واحدا إلى غرفة بعيدة ، اجتمع فيها الموسيقيون . ولكن باب الغرفة ظل مغلقا ، وكان كل من أراد الوصول إلى الغرفة سلك إليها ممرا ضيقا مظلما بعض الشيء . وكان الحاجب يبقي كل مرشح في هذا الممر منفردا وقتا قليلا ، وكان صادق قد أطلع الملك على سره ، وعرض كنوز القصر في هذا الممر .

الراقص الأمين

ولما اجتمع الناس كلهم في غرفة الموسيقى ، أمرهم الملك بأن يرقصوا أمامه ، فكانوا  يرقصون في غير ظرف ولا خفة ، خافضين رؤوسهم ملقين بأذرعهم إلى جيوبهم . وكان بعضهم يرقص وقطع الذهب والفضة تتناثر من أكمامه فيفتضح أمره . بينما كان صادق يهمس في أذن الملك : يا لهم من خونة !

وكان واحد منهم فقط ، يرقص رقصا خفيفا ، مرفوع الرأس ، مستقيم القد ، ممدود الذراعين ؛ ثابت الساقين ، مطمئن الخاطر . وكان صادق يقول : يا له من رجل شريف ! يا له من رجل أمين !

ذلك هو الرجل الذي لم تغره الفضة ولا الذهب ، حين مر عليهما ، فلم يأخذ منهما شيئا . وقد قبل الملك منه الراقص المجيد ، وجعله على خزائنه ، وعوقب الآخرون وفرضت عليهم الغرامات في أدق العدل وأقومه .

مصادر :

– من قصص فولتير المترجمة بتصرف .

عن Amjad Bora