الخميس 18 أبريل 2024

بحث عن جبران خليل جبران : بين الحب والألم ، الثورة والسكون ، نروي لكم قصته

تم التحديث في: 2022-04-30

ثائر  في كتاباته ، مبدع في رسوماته ، عاشق في أشعاره . حروفه تحكي دمعة ألم ، وابتسامة أمل ، فهو ملاك في رحمته ، شيطان في ثورته ، يغوص أعمق ما يكون في الشهوات والملذات ، ويرقى إلى أعالي درجات الفضيلة والسمو الإنساني ، إنه الكاتب والأديب جبران خليل جبران .

من هو جبران خليل جبران ؟

 

كاتب وأديب ولد بلبنان سنة 1883 م ، من أسرة متوسطة الحال ، مسيحية العقيدة ، سافر إلى بوسطن حيث درس فن التصوير ، ثم رجع إلى بيروت وتعلم في مدرسة الحكمة ، ليطير بعدها إلى باريس لينمي موهبته في الرسم والتصوير ، ناهيك عن عشقه وولعه بكتابة المقالات والشعر ، واستقر أخيرا بنيويورك حيث اشتغل بالكتابة ، وكان من الذين أسسوا جمعية الرابطة القلمية مع ميخائيل نعيمة ، ومن الذين ساهموا في ازدهار الحياة الأدبية في المهجر .

جبران خليل جبران والبحث عن الحب

 

ورث جبران عن أسرته طاقة عصبية عنيفة جعلته شديد الحساسية سريع الانفعال رحب الخيال ، ويملك عواطف متدفقة كماء عذب في غدير منساب ، وأحيانا كبحر هائج تتلاطم أمواجه من كل الجهات .

أحب أمه أشد الحب ، بل كانت ملهمته في تذوق معاني الحب الفطري السامي ، وفي ذلك يقول : ‘ إن أعذب ما تنطق به الألسنة هو لفظ الأم ، وأجمل مناداة في الوجود هي يا أمي . كلمة صغيرة كبيرة ، مملوءة بالأمل والحب والانعطاف ، الأم هي كل شيء في هذه الحياة ‘ .

كطائر حر انطلق كاتبنا في رحلة البحث عن الحب ، راسما في وجدانه معالم من البناء والهدم في نفس الوقت ، فشخصية جبران كما أشرنا كانت انفعالية متوترة ، وقد زاده الإدمان على الخمر هياجا ، واضطراب الصحة تأزما ، فكان يتأرجح بين شخصيتين : شخصية ثائرة على كل عقيدة أو منهج أو التزام ، وشخصية تفضل التمتع بالحياة والانغماس في ملذاتها ، وبين هذه وتلك كان يشعّ قبس خافت من نور يرسم على قلبه خيوطا رقيقة من الأمل الذي تغذيه فضيلة الحب .

يقول في ذلك : ‘ أحب المتطرفين المتحمسين الملتهبين ، المستسلمين إلى عواطفهم ، المنصرفين إلى مبدأ خاص ‘ .

جبران خليل جبران ومعانقة الشهرة

في سنة 1904 أقام جبران أول معرض  له في الرسم ، وتعرف هناك على سيدة أمريكية ثرية تدعى ماري هاسكل ، كانت زارت المعرض وأعجبت برسوم جبران ، فكانت نقطة تحول في حياته ، فلقد أحبها لأنها كانت ملهمته وبمثابة ملاك ساقته الأقدار إليه ليأخذ بيده ويصقل موهبته .

لقد حرصت ماري على أن يتسلق جبران سلم المجد فأرسلته إلى باريس ليدرس أصول الرسم وفنونه في معاهدها العالية ، وهناك تعرف على كبار الأدباء والفنانين ، فساهم كل ذلك في اجتهاده وتميزه .

بعدها عاد إلى بوسطن ثم انتهى إلى نيويورك حيث استقر هناك يعكف على الرسم والكتابة ، فأصبح قبلة أنظار أدباء المهجر ، وطارت شهرته الآفاق ، وأسس الرابطة القلمية إلى جانب ميخائيل نعيمة ، إيليا أبو ماضي ، وديع باحوط ، نسيب عريضة .

جبران خليل جيران : نظرة أديب وفيلسوف

 

وأنت تقرأ كتابات جبران ستجد نفسك تصعد حينا إلى عوالم من الجمال الإنساني حيث لا مكان سوى للفضيلة والحب الخالص ، وأحيانا تهوي فجأة إلى نفق من الضياع والفوضى والعنف ، وإذا نظرنا إلى تجارب وثقافة جبران فسيزول هذا اللبس والعجب حول شخصيته .

فعاطفيا مر جبران بتجارب حب متشابكة الخيوط ، تلتقي في أمل منشود ، وتتفرق على يأس مفقود .

عرف ميشلين التي كانت في عينيه ملاكا في صورة امرأة ، فربط الحب بينهما ، لكنه رفض الزواج منها فاتهمته بالأنانية .

عرف إيميلي ، كانت زميلته في المدرسة ، وسحرته بحبها للفن وتقديرها له ، حيث قالت له يوم شاهدت لوحته عن البحر : ‘ الفن هو أن تأتي بضمير البحر لا أن ترسم أمواجا مزبدة ، أو مياها زرقاء هادئة ‘ .

لكن المرأة الأولى التي كانت تقيم في أعماقه ، وألهمته جمال الحب وأسمى معانيه ، تدعى سلمى كرامة ، فتاة في الثامنة عشرة علّمه حبها ما الحب ، وما الإحساس ، لكنها أرغمت بالزواج من رجل آخر ، وماتت وهي تضع أول مولود لها .

يقول جبران : ‘ سلمى كرامة المرأة الأولى التي أيقظت روحي بمحاسنها ، وعلمتني عبادة الجمال ، وأرغمت على الزواج من رجل آخر ‘ .

أما عن المرأة الثرية ماري هاسكل فقد وجهت له صفعة مؤلمة يوم عرض عليها الزواج ، فقالت له : وهل أنت نظيف ؟!

 

جبران خليل جبران سليل مدرسة نيتشه

 

و فلسفيا تأثر جبران بفلسفة نيتشه أيما تأثر ، وراقه مبدأه في القوة والأنا الأعلى ، حتى أنه أنكر كل الأديان ، وآمن بالإنسانية العليا ، فقال : ‘ أنا رب نفسي ‘ ، كل هذا جعله يعيش منفرقات ومنعرجات في تأمله لحياته ، وتأمله لذاته ، وتأمله للمجتمع ككل .

وإذا كنا نجد جبران ثائرا على القوانين والشرائع بل على الوطنية نفسها ، فإنه بالمقابل يقدس الحب والحرية لدرجة تجعله يصل بكتاباته أحيانا لأعالي النقاء الإنساني .

يقول الأديب والمؤرخ حنا فاخوري : ‘ أنكر جبران جميع الديانات ، وإن كتب أحيانا عن المسيح صفحات رائعة . ويسوع جبران يختلف تماما عن يسوع الانجيل ؛ فمسيح جبران هو رجا كسائر الرجال ، وهو شاعر على مثال جبران ، رجل عاطفة وأحلام ، لا فرق عنده بين الخير والشر والإيمان والكفر ‘ .

بل نجد جبران نفسه يقول : ‘ أشغالي كثيرة وأحلامي عظيمة ، ومطامحي هائلة مخيفة ، تتصاعد إلى أعالي السماء ، ثم تهبط بنفسي إلى أعماق الجحيم ‘ .

مؤلفات جبران خليل جبران

 

كغيره من أدباء المهجر تأثر جبران بالثقافة الغربية ، فكان يحسن الإنجليزية والفرنسية إلى جانب العربية ، إلا أن صلته بالأدب العربي كانت ضعيفة . وعموما فإن مؤلفات جبران صورة تعكس عواطفه وتجاربه بل خواطره في الحياة ككل ، وهي عبارة عن مقالات وقصائد من الشعر المنثور ، يتحدث فيها عن نفسه وما يعتريها من حب وطموح وثورة .

دمعة وابتسامة كانت أولى مؤلفات جبران باللغة العربية ، وهي من أشهر آثاره ، وهي مجموعة من المقالات القصيرة التي عبّر فيها عما اختلجت به خواطره وتأملاته .

ثم صدر له بعدها عرائس المروج التي عبر خلال قصصها الثلاث عن روح التمرد على التقاليد الاجتماعية ، ثم صدرت له الأجنحة المتكسرة وتحكي قصته المطولة .

وبعد أن ساد هدوء ساكن أجواء حظيرة مؤلفات العاشق الثائر ، بدّدها بعاصفة هوجاء بإصداره مجموعة العواصف والتي كانت اسما على مسمى . ثم قصيدة الموكب التي توازن بين حياة الغاب الفطرية الطاهرة ، وبين حياة الحضارة المدنسة .

ثم ظهرت مؤلفاته بالإنجليزية مثل : المجنون و السابق و رمل وزبد ، وصدر له النبي سنة 1924 . وبلغ من شهرة هذا الكتاب أن ترجم إلى عدد من اللغات العالمية ، وفيه يلبس جبران ثوب الحكيم المتأمل ، فأتى بمجموعة كبيرة من الحكم والأقوال الجميلة السامية .

وفاة جبران خليل جبران

رحل شاعر العاطفة الثائر عن الحياة سنة 1931 ، بعد صراع طويل مع المرض ( داء السل ) عن عمر يناهز 48 سنة ، عمر قضاه في التجوال والترحال ، محلقا بآماله ، حاملا في قلبه حبا متأججة ناره ، وفكرا ثائرا في وجه كل شيء ، طامحا في المجد والكمال الإنساني ، منغمسا في ملذات الحياة ، هذا الشتات الذي أحاط بعقله ترك نقطا سوداء في حياته الشخصية عموما ، والأدبية خاصة .

يقول الأديب حنا فاخوري : ‘ ولئن انتقد المجتمع فلم يعمل على إصلاحه ولم يرد فيه إلا الهدم فكان موقفه في أكثره سلبيا لا إيجابيا ؛ وهذا الموقف دون الموقف الإيجابي صعوبة ودقة ‘ .

وها هو جبران يخاطب نفسه معترفا بذلك فيقول : ‘ لقد نحرت حبك على مذبح شهوتك يا جبران ! أنت مصاب بداء الكلام يا جبران . ولأنك تخجل من كل ما فيك من ضعف بشري تعكف عليه فتستره بحلة من الكلام الجميل والألوان البهجة . والكلام الجميل لا يرفع الشناعة إلى مستوى الجمال . والألوان البهجة لا تصبغ الضعف قوة ‘ .

ذاك هو جبران خليل جبران الكاتب الذي وإن عاش حياة فلسفية مليئة بالاختلالات ، إلا أنه ترك لنا كلمات تعزف أعذب الألحان ، فتنطق بالأحاسيس الجميلة ، والأفكار الحكيمة ، والتأملات العميقة ، ولقد خصصنا موضوعا منفصلا لباقة مختارة من أجمل ما قاله جبران من حكم وخواطر ، يرجى الاطلاع عليه في الرابط أسفله .

أقوال و حكم من روائع جبران خليل جبران

مراجع :

– تاريخ الأدب العربي ( حنا فاخوري ) .

– من أعلام الفكر والأدب ( أنور الجندي ) .

– الصور الشخصية مأخوذة من المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران ( أنطوان القوّال ) .

عن Amjad Bora