الخميس 28 مارس 2024

من قصص البخلاء الطريفة : رجل بخيل لم يعرف الناس أبخل منه !

تم التحديث في: 2023-02-02

لطالما شكلت قصص البخلاء مرتعا خصبا لأقلام الأدباء والمؤلفين ، حيث اهتموا بتتبع أخبارهم ورواية قصصهم ، والتي وإن كانت في مجملها طريفة ساخرة ، إلا أنها تزيح الستار عن صفة ذميمة وخلق قبيح ، يُصغّر صاحبه في أعين الناس ، ويجعله عبدا للدراهم التي يحرص عليها أكثر من حياته .

وقد كان الأديب الكبير الجاحظ من السباقين إلى رواية أخبار البخل والبخلاء ، وذلك في كتابه الشهير البخلاء ، وقصتنا اليوم هي لأحد كبار أدباء مصر ، صاحب العبقريات عباس محمود العقاد ، وهو كاتب ومؤلف يمتاز بدقة تحليله للأفكار ، ووصفه للأشياء بعمق ، وسنلمس ذلك في هذه القصة الرائعة ، والتي يصف فيها رجلا بخيلا بكل ما أوتي من بخل وحرص !

رجل بخيل جدا

كان في من أعرف من الناس ، رجل لا يعرف الناس أبخل منه . كان هذا الرجل إذا اشتهت نفسه الشيء مما تشتهيه الأنفس من طيبات المأكل والملبس ، أخرج القرش من كيسه ، فنظر إليه نظرة العاشق المدنف إلى معشوقته ، ثم رده إلى الكيس وقال : هذا القرش ، لو أضيف إليه تسعة وتسعون مثله ، لصار جنيها ، والجنيه بعد الجنيه يجلب الثروة العريضة ، ويجمع المال الخير .

وهبْني تهاونت بإنفاقه اليوم ، وسمحت نفسي به ، فلا  آمن أن تسخو بغيره غدا ؛ فإنما القروش كلها واحدة في القيمة ، وليس بقرش أغلى من قرش ، والشهوات حاضرة في كل وقت .

فكأنني اليوم بإنفاقي هذا القرش ، أنفقت جميع ما سوف أملكه وأذّخره من المال ، وفتحت على نفسي باب الفاقة الدائمة والعرى المستمر ، مطاوعة الشهوة حمقاء : إن أنا وقمتها الآن ، ماتت واسترحت منها ، وإن آتيتها بما تدعوني إليه كل ساعة ، كنت كمن يرمي الوقود في النار ليخمدها ؛ وكنت كمن يشتهي الفقر ، ويتمنى الإعدام . وتلك والله ! ، الحماقة بعينها .

تشييع الجنيه إلى لحده

وكان إذا تم عنده الجنيه على هذه الكيفية ، أسقطه في صندوق ثقب له ثقبا في غطائه ولم يجعل له مفتاحا ، لئلا يتعود الفتح والإقفال ، ويجرأ على ذلك الذخر بالكشف والابتذال ، وخوفا من أن تراوده نفسه – لفرط شغفه بالذهب – على مس جنيه من تلك الجنيهات ، فيجر المس إلى التحريك ، ويجر التحريك إلى الأخذ فالإخراج : وهناك الطامة العظمى ، والداهية الشؤمى !

فإذا سقط الجنيه في ذلك الصندوق ، كانت السقطة آخر عهده بالهواء والنور ، وآخر عهده بالهبات والبيوع ، وآخر عهده بالأنامل والكفوف ، وهوى من ذلك الصندوق في منجم كالمنجم الذي كان فيه ، وشتان المهد واللحد ! ومات موتة لا تنشره منها إلا يد الوارث ، إن شاء الله ! وقد فعل !

عن Amjad Bora