نقف بكم اليوم عند شاعر الحكمة بامتياز ، شاعر أعطى لكل ذي حق حقه ، فلم يمدح لطمع ، ولم يذم لحقد ، بل كان يبحث عن الحقيقة ، ناهيك عن صفات الرزانة والتعقل التي كان يمتاز بها ، إنه شاعر الشعراء زهير بن أبي سلمى .
محتويات
من هو زهير بن أبي سلمى ؟
هو زهير بن أبي سُلمى ربيعة من مزينة المضرية ، ولد بنجد نحو سنة 530 ، وعاش وسط الحرب الطويلة داحس والغبراء ، فكان يتنقل بين قبيلتي غطفان وذبيان ، وتزوج من امرأتين ، الأولى تدعى أم أوفى ، وهي التي يذكرها كثيرا في شعره ، والتي طلقها بسبب عقمها ، وفي رواية أخرى أنها ولدت له أولادا ماتوا جميعا .
أما المرأة الثانية فتدعى كبشة بنت عمار ، والتي ولدت له الشاعران كعب وبجير ، كما يذكر أن لزهير أختين تقرضان الشعر أيضا ، وبالتالي فنحن أمام عائلة يسري الشعر في عروقها ، فلا عجب أن تفجرت فيهم هذه الموهبة .
حياة زهير بن أبي سلمى
عاش زهير في سعة من الرزق مما ورثه عن أخواله ، لكن باب العطاء الوافر كان لهرم بن سنان ، وهو سيد شريف ، كان من أوائل المصلحين بين قبيلتي عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء ، فدفع الديات عنهم ، ونال قدرا كبيرا من المديح من زهير ، فكان يكرمه ويبالغ في ذلك لدرجة أن زهير نفسه خجل من ذلك .
ومما يروى في هذا الشأن أن هرم بن سنان حلف أن لا يمدحه زهير إلا أعطاه ، ولا يسأله إلا أعطاه ، ولا يسلم عليه إلا أعطاه وأكرمه ، فاستحيا زهير من ذلك كثيرا ، فكان إذا رآه في مجمع ، سلّم زهير قائلا : عموا صباحا غير هرم ، وخيركم استثنيت .
شعر زهير بن أبي سلمى
خلّف زهير باقة من التحف وروائع القصائد ، جمعت في ديوان مشهور ، وأغلب قصائده تدور في المدح والفخر بمحاسن الأخلاق والتفكر في الحياة ، كما انطوى بعضها في القليل من الهجاء ، لكن أجود ما تركه شاعر الحكمة هي معلقته الخالدة ، ويلاحظ أن زهيرا يعد مدرسة شعرية بحق ، فلم يكن يحيط الشعر بنفسه فقط ، بل تعداه تلقينا وتعليما لابنيه جبير وكعب ، وتلميذه الحطيئة كذلك ، وهذه لاشك أسماء ثقيلة تركت بصمة واضحة في ديوان الشعر العربي .
بل يكفيه شهادة وحكم الناقد الكبير في الشعر ، والعالم الكبير في أصول الكلام ، إنه فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب ، فقد روى ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : ‘ خرجت مع عمر في أول غزاة غزاها ، فقال لي ذات ليلة : يا ابن عباس : أنشدني لشاعر الشعراء . قلت : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : ابن أبي سلمى . قلت : وبما صار كذلك ؟ قال : لأنه لا يتبع حوشيّ الكلام ، ولا يعاظل من المنطق ، ولا يقول إلا ما يعرف ، ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه ‘ .
يقول ابن رشيق القيرواني – وهو من أبرز نقاد القرن الخامس – عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‘ أنه :كان من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة ‘ .
وفي معرض آخر يتعجب الخليفة عمر رضي الله عنه من معرفة زهير وتفصيله للحقوق ، وذلك في البيت الشهير الذي أخذ به زهير لقب قاضي الشعراء ، وهو :
فإن الحق مقطعه ثلاث * يمين أو نفار أو جلاء
– أقترح عليك كتاب ( شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ) .
– لطلب هذا الكتاب ، اضغط على الرابط أسفله ، أو على صورة الكتاب .
معلقة زهير بن أبي سلمى
من أجود ما قاله الشاعر الحكيم زهير ، وهي قصيدة ميمية من البحر الطويل تقع في نحو ستين بيتا ، والباعث على نظمها هي مناسبة الصلح الذي تم بين قبيلتي عبس وذبيان بعد انتهاء حرب السباق الطاحنة داحس والغبراء ، فمدح أصحاب الفضل في دفع ديّات القتلى وعقد الصلح ، ومنهم السيد الشريف هرم بن سنان ، والحارث بن عوف ، وفتح باب قصيدته لروائع خالدة من الحكم البليغة التي تشيد بالصلح والمصلحين ، وتحذر من الحقد والكائدين ، ورسم طريق سعادة الإنسان بأبيات جعلت قصيدته تستحق بجدارة أن تكون من المعلقات السبع المشهورة . وسنخصص إن شاء الله موضوعا مستقلا نتناول فيه معلقة زهير بن أبي سلمى ببعض من الشرح والتفصيل .
روائع من شعر زهير بن أبي سلمى
نبتدأ بمطلع معلقته :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم * بحومانة الدراج فالمتثلم
ديار لها بالرقمتين كأنها * مراجع وشم في نواشر معصم
***
يؤخر فيوضع في كتاب فيُدخّر * ليوم الحساب أو يعجّل فينقم