الأربعاء 24 أبريل 2024

بحث عن فن الموشحات الأندلسية : غناء وجمال في زمان الوصل

تم التحديث في: 2022-04-30

في موضوع اليوم ” بحث عن فن الموشحات الأندلسية ” ، سنتحدث عن فن شعري غنائي ولد بالأندلس ، وصار على ألسنة العامة والخاصة لسهولة نظمه ، ولوقعه الغنائي الجميل على المسامع والنفوس .

 

تعريف الموشحات

الموشحات فن شعري نشأ في الأندلس خلال القرن الثالث هجري ، ونقول الموشَّح أو التوشيح ، ووشّح المرأة : أي ألبسها الوشاح وهو قلادة من نسيج عريض مرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها ؛ ووشّح الخطيب خطبته بالآيات : أي زينها بها .

فالتوشيح بالمعنى المجازي هو التزيين ولهذا استعيرت اللفظة للدلالة على الفن من الشعر المسمى بهذا الاسم لما فيه من تزيين وتنميق .

عاتق : مابين المنكب والعنق .

كشح : الجزء الجانبي من الجسم ما بين الخاصِرة والضلوع .

وقال ابن خلدون في تعريفه لفن الموشحات : ” وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه ، وبلغ التنميق فيه الغاية ، استحدث المتأخرون منهم فنا سموه بالموشح ينظمونه أسماطا أسماطا ، وأغصانا أغصانا ، يكثرون من أعاريضها المختلفة ، ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ، ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة .

وأكثر ماتنتهي عندهم إلى سبعة أبيات ، ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراس والمذاهب ؛ وينسبون فيها ويمدحون كما يُفعل في القصائد ” .

 

من الذي اخترع فن الموشحات ؟

 

لقد تضاربت الأقوال والآراء في أصل من سبق لهذا الفن ، وسنعرض آراء السابقين وأقوالهم :

– قال ابن بسام ( صاحب كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ) : ” وأول من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها – فيما – بلغني – محمد بن محمود القبري الضرير ” .

– قال ابن خلدون : ” وكان المخترع لها ( أي فن الموشحات ) بجزيرة الأندلس مقدم بن معافي الفريري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله بن عبد ربه الأندلسي صاحب كتاب العقد ، ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما ، فكان أول من برع في هذا الشأن عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب ألمرية ” .

سبب اختراع فن الموشحات

 

كان لانتشار الغناء الدور الأكبر لظهور فن الموشحات ، إضافة إلى اختلاط العرب بالأجانب في إسبانية واطلاعهم على آدابهم وأغانيهم الشعبية المتحررة من القوافي والأوزان .

وذهبت بعض الأقوال إلى أن أصل فن الموشحات يعود إلى فرق فرنسية من المغنيين تسمى ” بالتروبادور ” ، كانت تؤم البلاد الإسبانية من جنوب فرنسا لتغني للنبلاء طلبا للجوائز والعطاء ، وكانت هذه الأغاني عبارة عن قطع لا ضابط لها ولكن لها  شبه بأوزان ومقاطع الموشحات الأندلسية .

لكن تم نقض هذه الأقوال من طرف العديد من النقاد والأدباء لضعف حجتها ، وعدم وجود أي دلائل أو نصوص لهذه الأغاني تدعو للمقارنة والتمحيص .

كما كان هناك رأي آخر يرجع أصل فن الموشحات إلى المشرق ، وأن موشحة ” أيها الساقي ” للشاعر العباسي ابن المعتز ، أول موشحة في الأدب العربي ، حيث قال في مطلعها :

أَيُّها الساقي إِلَيكَ المُشتَكى

قَد دَعَوناكَ وَإِن لَم تَسمَع

وَنَديمٌ هِمتُ في غُرّتِه

وَشَرِبت الراحَ مِن راحَتِه

كُلَّما اِستَيقَظَ مِن سَكرَتِه

جَذَبَ الزِقَّ إِلَيهِ وَاِتَّكا

وَسَقاني أَربَعاً في أَربَع

ولكن علماء الأدب يشكون في نسبتها إليه لأن مؤرخي ابن المعتز لم يذكروا موشحته هذه التي رويت لشاعر آخر أندلسي يقال له الحفيد بن زهر ، ولأن المؤرخين أجمعوا على القول أن الموشحات من مستنبطات الأندلسيين .

 

مما تتألف الموشحات ؟

 

تتألف الموشحات من عناصر وأصول تنقسم على الشكل التالي :

1 – القفل

هو بيت أو عدة أبيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات في أغلب الأحيان ، وتتكرر قبل كل بيت منها . ويسمى القفل سمطا لأنه كالقلادة في الموشح ؛ ويسمى أيضا اللازمة للزوم تكراره عند كل بيت .

ويشترط في الأقفال التزام القافية ، والوزن ، والأجزاء ، وعدد الأبيات الشعرية . وهكذا تكون كلها في الموشحة ذات موسيقى لفظية وتلحينية واحدة .

والقفل لا يكون أقل من جزئين ، وقد تبلغ أجزاؤه الثمانية ، وقد تبلغ أيضا التسعة أو العشرة إلا أن ذلك نادر :

القفل المركب من جزأين :

شمس قارنت بدرا

راحٌ ونديم

القفل المركب من ثلاثة أجزاء :

حلّت يد الأمطار

أزرة النوّار

فيأخذني

القفل المركب من أربعة أجزاء :

أدِر لنا أكواب

يُنسى بها الوجَد

واستحضر الجُلّاس

كما اقتضى الود

2 – البيت

هو ما نظم بين القفلين من أبيات شعرية ، وهو يسمى الدور . ويشتمل البيت على أجزاء تسمى أغصانا وهي تتعدد بتعدد الأغراض والمذاهب . ويتألف البيت على الأغلب من من ثلاثة أجزاء وقد يتألف من جزأين أو ثلاثة أجزاء ونصف .

ويتألف جزء البيت من فقرتين أو ثلاث أو أربع فقرات ، وقد يكون الجزء مفردا أي غير مؤلف من فقرات . ومن شروط الأبيات أن تكون كلها متشابهة وزنا ونظاما وعدد أجزاء ؛ وأما الرويّ فيحسن تنويعه .

ومن عادة الموشح أن يبدأ بقفل وينتهي بقفل ، وأن يتردد فيه القفل ست مرات ، فإن كان الأمر كذلك سمي الموشح تاما ؛ وإن بدأ الموشح بالبيت سمي أقرع . وهكذا يتردد القفل خمس مرات في الموشح الأقرع وست مرات في الموشح التام .

البيت المؤلف من ثلاثة أجزاء مفردة :

أرى لك مهند

أحاط به الإثمد

فجرّد وما جرّد

فيا ساهر الجفن

حسامك قطاع

البيت المركب من فقرتين وثلاثة أجزاء ونصف :

من أودع الأجفان

صوارم الهند

وأنبت الريحان

في صفحة الخد

قضى على الهيمان

بالدمع والسهد

أنّى وللكتمان !

3 – الخرجة

هي القفل الأخير من الموشح . وقد اشترطوا فيها أن تكون فكاهة ، ملحونة الألفاظ ، جارية على لسان ناطق أو صامت ؛ فهي عادة عامية غير معربة إلا في بعض المدح .

قال ابن بقي :

ليل طويل

وما معين

يا قلب بعض الناس

أما تلين

وتكون الخرجة قولا مستعارا على بعض الألسنة ، وأكثر ما تُجعل على ألسنة الصبيان والنسوان والسكارى . ولا بد في البيت الذي قبل الخرجة من : قال ، أو قلتُ ، أو غنى ، أو غنيتُ .

قال ابن بقي :

أنا وأنتا

أسوة هذا الحجر

بالصبر بنتا

عند انصداع الفجر

ومذ رحلتا

غنى الجوى في صدري

 

أغراض فن الموشحات 

 

أوجد الموشح ، أول الأمر للغناء وكان من أغراضه الغزل والخمر والمجون ووصف الطبيعة . لكن ما لبث أن توسع الشعراء في معاني الموشحات فنظموها في الهجاء والرثاء والتصوف والزهد .

قال ابن الخطيب :

فإذا الماء تناجى والحصى  *  وخلا كل خليل بأخيه

تُبصر الورد غيورا بَرما  *  يكتسي من غيظه ما يكتسي

وترى اللآس لبيبا فهما  *  يسرق السمع بأذني فرس

 

خصائص فن الموشحات

 

تظغى على الموشحات كثرة المحسنات اللفظية ، فحفلت أشعارهم بالمجاز والتشابيه والاستعارات والكنايات ، قال ابن سناء الملك : ” والموشحات تنقسم قسمين : الأول ما جاء على أوزان أشعار العرب ، والثاني ما لا وزن له فيها ولا إلمام .

والذي على أوزان الأشعار ينقسم قسمين : أحدهما ما لا يتخلل أقفاله وأبياته كلمة تخرج به تلك الفقرة التي جاءت فيها تلك الكلمة عن الوزن الشعري ، وما كان من الموشحات على هذا النسج فهو المرذول المخذول وهو بالمخمسات أشبه منه بالموشحات ولا يفعله إلا الضعفاء من الشعراء .

والقسم الثاني من الموشحات هو ما لا مدخل لشيء منه في شيء من أوزان العرب ، وهذا القسم منها هو الكثير والجم الغفير ، والعدد الذي لا ينحصر ، والشارد الذي لا ينضبط .

وكنت أردت أن أقيم لها عروضا يكون دفترا لحسابها وميزانا لأوتادها وأسبابها . فعز ذلك وأعوز لخروجها عن الحصر وانفلاتها من الكلف ، وما لها عروض إلا التلحين ولا ضرب إلا الضرب ، ولا أوتاد إلا الملاوي ، ولا أسباب إلا الأوتار ” .

 

مختارات شعرية من فن الموشحات

 

قال السرقسطي مادحا :

غزال له مقلة ساحره  *  وأنجمه أنجم زاهره

ولمّته لمّة عاطره  *  وكل العيون له ناظره

وجسم أذاه لباس الفتك  *  كمثل اللجين إذا ما انسبك

هو الشمس لكنه أجمل  *  هو البدر لكنه أكمل

هو الصبح لكنه أفضل  *  فليس على الأرض من يعدل

قال أبو جعفر بن سعيد في وصف نهر :

ذهّبت شمس الأصيل فضة النهر

أيّ نهر كالمدامه

صيّر الظل فدامه

نسجته الريح لامه

وثنت للغصن لامه

فهو كالعضب الصقيل حف بالسّمر

مضحكا ثغر الكمام

مبكــيا جفن الغمام

منطقا ورق الحمام

داعيا إلى المدام

فلهذا بالقـبـول خط كالسطر

قال ابن بقي :

بمهجتي شادن تياه  *  من نور شمس الضحى مرءاه

من ذكره تعذب الأفواه  *  قد جردت للورى عيناه

سيفا كأن ضباه القدر  *  أو القضاء لا يبقي ولا يذر

ونختم برائعة ابن الخطيب وموشح ” جادك الغيث ” :

جــادك الغيــث إِذا الغيـث همـى  *  يــا زمــان الــوصل بــالأَندلسِ

لـــم يكــن وصْلُــك إِلاّ حُلُما  *  فـي الكـرى أَو خُلسـة المخـتَلِسِ

إذ يقــود الدّهــرُ أَشــتاتَ المُنـى

ينقــلُ الخــطوَ عـلى مـا يرسـمُ

زُمَـــرًا بيــن فُــرادى وثُنًــى

مثــل مــا يدعـو الوفـودَ الموْسـمُ

والحيــا قــد جـلَّل الـرّوض سـنا

فثغـــور الزّهــرِ فيــه تبســمُ

وروى النُّعمــانُ عـن مـاءِ السّـما  *  كــيف يَــروي مـالِكٌ عـن أنَسِ؟

فكســاه الحُســن ثوبا معلما  *  يــزدهي منـــه بــأبهى مَلبسِ

فــي ليــالٍ كــتَمَتْ سـرَّ الهـوى

بــالدُّجى لــولا شــموس الغُـرَر

مــال نجــمُ الكـأس فيهـا وهـوى

مســـتقيمَ السّــيرِ سَــعْدَ الأَثَــرِ

وطَـرٌ مـا فيـه مـن عيـبٍ سـوى

أَنّـــه مـــرّ كــلمْح البصَــرِ

مصادر :

– تاريخ الأدب العربي ( حنا الفاخوري ) .

– تاريخ آداب العرب ( مصطفى صادق الرافعي ) .

عن Amjad Bora