السبت 20 أبريل 2024

تحليل و شرح قصيدة البردة للبوصيري في مدح الرسول الكريم

تم التحديث في: 2022-04-30

لقد شرحنا في موضوع سابق أعظم قصيدة في مدح رسول الله – عليه أزكى الصلاة والسلام – وهي قصيدة كعب بن زهير – رضي الله عنه – ” بانت سعاد ” ، واليوم سنعنى بشرح ثاني أعظم قصيدة في مدح خير البرية ، لصاحبها الإمام الشاعر البوصيري – رحمه الله – .

 

من هو البوصيري صاحب البردة ؟

 

هو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري ، ولد بقرية دلاص بمصر سنة 608 هـ لأسرة تنحدر من قبيلة صنهاجة التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى ، ونشأ بقرية بوصير القريبة من مسقط رأسه ، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب .

وقد خصصنا له موضوعا منفصلا ، يمكنكم الاطلاع عليه في الرابط أسفله :

مناسبة قصيدة البردة للبوصيري

 

حسب ما رواه البوصيري نفسه ، فقد أصيب بمرض عضال ( شلل نصفي ) جعله يفكر في نظم قصيدة في مدح الرسول الكريم ، ويتضرع إلى الله بها ، راجيا الشفاء والعافية ، وحدث ذات ليلة أن رأى الرسول – صلى الله عليه وسلم – في المنام ، فمسح وجهه ( وجه البوصيري ) بيده الشريفة ، وخلع عليه بردته مكافأة له ، وكان ذلك سببا في شفائه .

وبغض النظر عن صحة رواية البوصيري أو بطلانها ، فإن الباحثين يعتبرون الشاعر كغيره من المتصوفين ، يمتلك طيبة وسذاجة ، وإيمانا بالتجليات الخارقة التي تخلفها هذه القصائد والأذكار ، ونحن لسنا في معرض مناقشة هذا الأمر .

 

نص قصيدة البردة للبوصيري

 

تقع البردة في حوالي 162 بيتا ، وقد شرحت وفسرت أكثر من تسعين مرة في العربية والفارسية والتركية والبربرية . وخمست وثلثت  وشطرت مرات كثيرة ؛ وقد ترجمت إلى عدة لغات منها اللاتينية والألمانية والفارسية ، وسنعرض لكم بعضا من أبياتها على سبيل الإيجاز .

أمن تذكر جيران بذى سلم  *  مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة  *  وأومض البرق في الظلماء من إضم

فما لعينيك إن قلت اكففا همتا  *  وما لقلبك إن قلت استفق يهم

فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها  *  إن الطعام يقوي شهوة النهم

والنفس كالطفل إن تهمله شب على  *  حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه  *  إن الهوى ما تولى يصم أو يصم

واخش الدسائس من جوع ومن شبع   *  فرب مخمصة شر من التخم

وخالف النفس والشيطان واعصهما  *  وإن هما محضاك النصح فاتهم

محمد سيد الكونين والثقلين  *  والفريقين من عرب ومن عجم

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته  *  لكل هول من الأهوال مقتحم

دعا إلى الله فالمستمسكون به  *  مستمسكون بحبل غير منفصم

فاق النبيين في خلق وفي خلق  *  ولم يدانوه في علم ولا كرم

وكلهم من رسول الله ملتمس   *  غرفا من البحر أو رشفا من الديم

فهو الذي تم معناه وصورته  *   ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم

يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا   *  واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهي لكل المسلمين بما   *  يتلوه فى المسجد الأقصى وفي الحرم

وبجاه من بيته فى طيبة حرم  *  وإسمه قسم من أعظم القسم

وهذه بردة المختار قد ختمت   *  والحمد لله في بدإ وفى ختم

أبياتها قد أتت ستين مع مائة   *  فرج بها كربنا يا واسع الكرم

تحليل وشرح أبيات قصيدة البردة للبوصيري

 

تنقسم قصيدة البردة إلى عشرة فصول ندرجها كالآتي :

 

الفصل الأول : في ذكر عشق رسول الله

 

يبتدأ البوصيري قصيدته بمقدمة غزلية على عكس باقي الشعراء ، فهو لم يتغن بمحاسن محبوبته أو هجرها له ، وإنما نراه يشكوا آلام غرام من نوع خاص ، وعن لائميه في حبه العذري ، والوشاة الكاشفين لسره مهما بالغ في كتمانه .

كذلك نراه يردد أسماء مواضع حجازية ونجدية ، مثل ذي سلم وكاظمة وإضم ، وكل ذلك دليل على أن هذه المقدمة الغزلية إنما هي تعبير رمزي لحبه للرسول – صلى الله عليه وسلم – وشوقه لزيارته .

أمن تذكر جيران بذى سلم  *  مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة  *  وأومض البرق في الظلماء من إضم

فما لعينيك إن قلت اكففا همتا  *  وما لقلبك إن قلت استفق يهم

إني اتهمت نصيح الشيب في عذلي  *  والشيب أبعد في نصح عن التهم

 

الفصل الثاني : في منع هوى النفس

 

يتحدث البوصيري في هذا الفصل عن النفس الأمارة بالسوء ، والتحذير من الانقياد لهواها وشهواتها ، فهي كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم ، وترددت خلالها عبارات أصبحت من الحكم الجارية على الألسنة ، مثل قوله :

– إن الطعام يقوي شهوة النهم .

– إن الهوى ما تولى يُصْمِ أو يَصُمِ .

– فرب مخمصة شر من التخم .

فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت  *  من جهلها بنذير الشيب والهرم

ولا أعدت من الفعل الجميل قرى  *  ضيف ألم برأسي غير محتشم

فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها  *  إن الطعام يقوي شهوة النهم

والنفس كالطفل إن تهمله شب على  *  حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه  *  إن الهوى ما تولى يصم أو يصم

 

الفصل الثالث : في مدح الرسول الكريم

 

خصص الشاعر هذا الفصل في مدح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حيث تحدث عن زهده مع ما عرض عليه من كنوز الأرض ، وعن كمال شمائله واصطفاء الله تعالى له .

ثم يذكر أنه سيد الكونين ( السماء والأرض ) ، والثقلين ( الإنس والجن ) ، والجنسين ( العرب والعجم ) ، وهو حبيب الله وصاحب الشفاعة يوم الحساب ، ورقي مرتبته بين سائر الأنبياء .

ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى  *  أن اشتكت قدماه الضر من ورم

وراودته الجبال الشم من ذهب   *  عن نفسه فأراها أيما شمم

وأكدت زهده فيها ضرورته  *  إن الضرورة لا تعدو على العصم

محمد سيد الكونين والثقلين   *  والفريقين من عرب ومن عجم

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته   *  لكل هول من الأهوال مقتحم

دعا إلى الله فالمستمسكون به  *  مستمسكون بحبل غير منفصم

فاق النبيين في خلق وفي خلق  *  ولم يدانوه في علم ولا كرم

وكلهم من رسول الله ملتمس   *  غرفا من البحر أو رشفا من الديم

 

الفصل الرابع : في مولد المصطفى

 

في هذا الفصل يتحدث عن مولده ( عليه الصلاة والسلام ) وما صاحبه من بشائر ، حتى بدا وكأن الكون كله يحتفل بهذا المولد في نشوة وطرب ، ومن هذه البشائر تصدع إيوان كسرى ، وخمود نار المجوس ، وجفاف بحيرة ساوة ، وتعم الفرحة أرجاء الكون والسماء .

أبان مولده عن طيب عنصره  *  يا طيب مبتدأ منه ومختتم

يوم تفرس فيه الفرس أنهم   *  قد أنذروا بحلول البؤس والنقم

وبات إيوان كسرى وهو منصدع   *  كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم

والنار خامدة الأنفاس من أسف   *  عليه والنهر ساهي العين من سدم

وساء ساوة أن غاضت بحيرتها   *  ورد واردها بالغيظ حين ظمي

كأن بالنار ما بالماء من بلل   *  حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم

والجن تهتف والأنوار ساطعة   *  والحق يظهر من معنى ومن كلم

 

الفصل الخامس : ذكر معجزات الرسول الكريم

 

يتحدث الشاعر في هذا الفصل عن معجزاته ( عليه الصلاة والسلام ) ، فذكر سجود الأشجار له ، ومشيها إليه ، وتظليل الغمامة إياه ، وانشقاق القمر ، وما صنع الحمام والعنكبوت بالغار ، وكيف كان لمس راحة يده يبرئ المريض ، وكيف كانت دعوته ترسل الأمطار في سنة الجفاف .

جاءت لدعوته الأشجار ساجدة  *  تمشى إليه على ساق بلا قدم

مثل الغمامة أنى سار سائرة   *  تقيه حر وطيس للهجير حم

أقسمت بالقمر المنشق إن له   *  من قلبه نسبة مبرورة القسم

وما حوى الغار من خير ومن كرم   *  وكل طرف من الكفار عنه عم

فالصدق في الغار والصديق لم يريا   *  وهم يقولون ما بالغار من أرم

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على  *  خير البرية لم تنسج ولم تحم

كم أبرأت وصبا باللمس راحته   *  وأطلقت أربا من ربقة اللمم

وأحيت السنة الشهباء دعوته   *  حتى حكت غرة في الأعصر الدهم

 

الفصل السادس : في ذكر شرف القرآن

 

يتحدث في هذا الفصل عن معجزة القرآن الكريم ، حيث يصف عجز العرب عن معارضة بلاغته ، وأن عجائبه لا تحصى ومعانيه لا تنفد ، فكأنه البحر في تتابع أمواجه ، وكأن ألفاظه لآلئ البحر في الحسن والقيمة .

دعني ووصفي آيات له ظهرت  *  ظهور نار القرى ليلا على علم

فالدر يزداد حسنا وهو منتظم   *  وليس ينقص قدرا غير منتظم

دامت لدينا ففاقت كل معجزة   *  من النبيين إذ جاءت ولم تدم

ما حوربت قط إلا عاد من حرب   *  أعدى الأعادي إليها ملقي السلم

ردت بلاغتها دعوى معارضها   *  رد الغيور يد الجاني عن الحرم

لها معان كموج البحر في مدد   *  وفوق جوهره في الحسن والقيم

 

الفصل السابع : في ذكر معجزة الإسراء والمعراج

 

يتحدث الشاعر في هذا الفصل عن معجزة الإسراء والمعراج ، وكيف مضى الرسول ليلا من الحرم المكي إلى حرم بيت المقدس ، ثم عن معراجه في السموات السبع ، وأمّه الأنبياء في الصلاة .

يا خير من يمم العافون ساحته  *  سعيا وفوق متون الأينق الرسم

ومن هو الآية الكبرى لمعتبر   *  ومن هو النعمة العظمى لمغتنم

سريت من حرم ليلا إلى حرم  *  كما سرى البدر في داج من الظلم

وبت ترقى إلى أن نلت منزلة  *  من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقدمتك جميع الأنبياء بها   *  والرسل تقديم مخدوم على خدم

وأنت تخترق السبع الطباق بهم   *  في موكب كنت فيه صاحب العلم

 

الفصل الثامن : في ذكر جهاد النبي

 

يتحدث في هذا الفصل عن جهاد النبي – صلى الله عليه وسلم – ويشيد بشجاعته وشجاعة صحابته ، ويرد انتصاراتهم إلى ما بثه فيهم الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) من روح التضحية والفداء .

راعت قلوب العدا أنباء بعثته  *  كنبأة أجفلت غفلا من الغنم

ما زال يلقاهم في كل معترك  *  حتى حكوا بالقنا لحما على وضم

ودوا الفرار فكادوا يغبطون به  *  أشلاء شالت مع العقبان والرخم

حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم  *  من بعد غربتها موصولة الرحم

مكفولة أبدا منهم بخير أب   *  وخير بعل فلم تيتم ولم تئم

هم الجبال فسل عنهم مصادمهم   *  ماذا رأى منهم في كل مصطدم

وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا   *  فصول حتف لهم أدهى من الوخم

طارت قلوب العدا من بأسهم  *  فرقا فما تفرق بين البهم والبهم

ومن تكن برسول الله نصرته  *  إن تلقه الأسد فى آجامها تجم

 

الفصلان التاسع والعاشر : ابتهالات ومناجاة

 

يختتم البوصيري قصيدته بمجموعة من الابتهالات والتوسل برسول الله ، ويعترف بتواضع ومذلة ، أنه قضى شطرا كبيرا من حياته يمدح بشعره ذوي الجاه والسلطان ؛ فلم يجن من ذلك سوى الندم والخسران ، ولكنه في النهاية وجد خلاصه في تخصيص مديحه ونفسه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويطمع في شفاعته .

خدمته بمديح أستقيل به  *  ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم

إذ قلداني ما تخشي عواقبه  *  كأنني بهما هدي من النعم

أطعت غي الصبا في الحالتين وما  *  حصلت إلا على الآثام والندم

فيا خسارة نفس في تجارتها   *  لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به   *  سواك عند حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي   *  إذا الكريم تجلى باسم منتقم

يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا   *  واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

ختاما 

لقد نالت البردة عظيم الشهرة ، وكتب لها الانتشار وحفظتها الألسن والقلوب ، وأصبحت تنشد في المناسبات والحفلات الدينية ، في عصر كان الزخرف والبديع طاغيا على قصائده ، لكن البوصيري وبالرغم من اعتماده على المحسنات البديعية في بردته ، إلا أنها جاءت دون تكلف ، والسبب كما يرى النقاد هو إخلاص الشاعر الشديد وصدق مشاعره وإحساسه في قصيدته .

مراجع ومصادر :

– المدائح النبوية ( محمود علي مكي ) .

–  المدائح النبوية ( زكي مبارك ) .

عن Amjad Bora

تعليق واحد

  1. عمر محمود عبدالله

    نحن نحب دراستها