الأربعاء 27 مارس 2024

تحليل و شرح قصيدة وطن النجوم للشاعر إيليا أبو ماضي

تم التحديث في: 2022-05-04

قد تحمل ضرورة كسب العيش أحدا إلى بلد بعيد يستوطنه ؛ لكنه لا ينسى وطنه الأول ، وخصوصا إذا كان رقيق العاطفة ، كشاعرنا إيليا أبو ماضي الذي غنى للوطن وناجاه . هذا ما سنكتشفه في موضوعنا ‘ شرح قصيدة وطن النجوم ‘ .

قصيدة وطن النجوم

وطن النجوم ! أنا هنا  *  حدّق ، أتذكر من أنا ؟

ألمحت في الماضي البعيد  *   فتى غريرا أرعنا ؟

جذلان يمرح في حقو  *  لك كالنسيم مدندنا

المقتنى المملوك مل  *  عبه وغير المقتنى

يتسلق الأشجار لا   *  ضجرا يحس ولا ونى

ويعود بالأغصان يب  *  ريها سيوفا أو قنا

ويخوض في وحل الش  *  تاء مهلهلا متيمنا

لا يتقي شر العيو  *  ن ولا يخاف الألسنا

ولكم تشيطن كي يدو  *  ر القول عنه تشيطنا

أنا ذلك الولد الذي  *  دنياه كانت هاهنا

أنا من مياهك قطرة  *  فاضت جداول من سنا

أنا من ترابك ذرة  *  ماجت مواكب من منى

أنا من طيورك بلبل  *  غنى بمجدك فاغتنى

حمل الطلاقة والبشا  *  شة من ربوعك للدنى

كم عانقت روحي ربا  *  ك وصفقت في المنحنى

للبحر ينشره بنوك  *  حضارة وتمدنا

لليل فيك مصليا  *  للصبح فيك مؤذنا

للشمس تبطىء في ودا  *  ع ذراك كي لا تحزنا

للبدر في نيسان  *  يكحل بالضياء الأعينا

فيذوب في حدق المها  *  سحرا لطيفا لينا

للحقل يرتجل الروا  *  ئع زنبقا أو سوسنا

للعشب أثقله الندى  *  للغصن أثقله الجنى

عاش الجمال مشردا  *  في الأرض ينشد مسكنا

حتى انكشفت له فأ  *  لقى رحله وتوطنا

واستعرض الفن الجبال  *  فكنت أنت الأحسنا

 

قاموس الكلمات

 

حدق إليه : حدد النظر إليه .

غريرا : شابا لا تجربة له .

أرعن : أهوج ، أحمق .

جذلان : فرحا .

الونى : الضعف والتعب .

الذرى : الأمكنة المرتفعة .

نيسان : شهر أبريل

المها : البقرة الوحشية ، وكثيرا ما يشبه بها شعراء العرب في حسن العينين .

 

شرح أبيات قصيدة وطن النجوم

لقد أبدع الشاعر الرقيق إيليا أبو ماضي في مناجاة وطنه أيما إبداع ، ويكفي أن تنظر إلى هذه الأبيات التي تفوح إحساسا وشوقا وحنينا ، فلقد هاجر الشاعر إلى أمريكا ، واستوطن هناك ردحا من الزمان ، لكنه لم ينس أبدا وطنه الأم ( لبنان ) الذي عرف الحياة والمنشأ فيه .

يعود بنا الشاعر إلى الزمن الماضي وذكريات الصبا والشباب الجميلة ، حيث يقف في مشهد مؤثر ، يرسم فيه صورا من طفولة يغلبها الطيش والشقاوة ، طفولة ترعرعت وسط حقول بلاده الواسعة ، وأشجارها المورقة ، وغصونها الباسقة .

يرسم لنا صورة الفتى الذي اتخذ من أغصان الأشجار سيوفا ، وتبارز بها – لعبا – مع أقرانه ، ويغوص في وحل الشتاء غير آبه بثيابه ، وبنظرة الناس وسخطهم .

وفي صورة طريفة جميلة ، ومن شدة شقاوة شاعرنا ، كانوا يصفونه بالشيطان ، وذلك كناية عن الخفة والشغب والطيش الذي تميزت به طفولته .

ويخوض في وحل الش  *  تاء مهلهلا متيمنا

لا يتقي شر العيو  *  ن ولا يخاف الألسنا

ولكم تشيطن كي يدو  *  ر القول عنه تشيطنا

وفي صور غاية في الجمال ، وبليغة في التعبير والأسلوب ، يذوب الشاعر حبا لوطنه ، فتندمج روحه مع وطنه الأم ، فيشكلان كيانا واحدا . فهو قطرة في أنهاره ، وتربة في أرضه ، وبلبل يصدح مغردا بأمجاده وخيراته .

أنا ذلك الولد الذي  *  دنياه كانت هاهنا

أنا من مياهك قطرة  *  فاضت جداول من سنا

أنا من ترابك ذرة  *  ماجت مواكب من منى

أنا من طيورك بلبل  *  غنى بمجدك فاغتنى

يفتخر الشاعر بحضارة بلاده ، وهمة شبابه ، ويحن إلى شمسه الدائمة المشرقة ، والقمر المضيء الذي يرسم لوحة من الجمال في شهر أبريل ، ويذوب حبا لرائحة الحقول والأزهار .

ويختم الشاعر قصيدته بكلام وحقيقة مؤثرة ، وهي أن الشاعر هاجر وقاسى في بلاد الغربة باحثا عن الحياة الكريمة ، والعيش الرغيد ، لكن السفر والترحال أرهقه ، ويؤمن بأن لا بد للطائر المهاجر أن يعود لعشه ، وكذلك حال الشاعر ، فلقد جاب الأقطار والبلدان ، فلم يجد أفضل من وطنه .

ختاما

قصيدة وطن النجوم للشاعر ايليا أبو ماضي ، هي ملك لكل مغترب يحن لوطنه ، لكل من يحن لأريج زهر وطنه ، وتربة وطنه .. لكل من يستحضر ذكريات جميلة في أحضان وطنه ، وما زاد القصيدة قوة وجمالا أن الشاعر لم يسمي بلاده ، وبالتالي فقد جعل كلمة الوطن ، شمولية تمس كل قلب يحن لمنبته وأصله .

مصادر :

– ديوان إيليا أبو ماضي .

عن Amjad Bora