الخميس 28 مارس 2024

قصة الحمامة المطوقة من كتاب كليلة ودمنة : أهمية التعاون وفضله

تم التحديث في: 2023-02-02

دائما ما نسمع القولة الشهيرة ‘ في الاتحاد قوة ‘ ، وقصتنا اليوم تمثل هذه القولة قلبا وعمقا ، وأبطالها حمامة تدعى المطوقة ، وغراب وجرذ ، وتلك عادة قصص كتاب ” كليلة ودمنة ” لصاحبه ابن المقفع ، الذي يجري حكما ويمرر رسائل على لسان الحيوان .

 

قصة الحمامة المطوقة من كتاب كليلة ودمنة

 

زعموا أنه كان بأرض ( دستاد ) عند مدينة يقال لها ( ماروات ) مكان للصيد يتصيد فيه الصيادون . وكان في ذلك المكان شجرة عظيمة كثيرة الغصون ملتفة الورق . وكان فيها وكر غراب يقال له ( حائر ) .

فبينما الغراب ذات يوم واقف على الشجرة ، إذ بصر برجل من الصيادين قبيح المنظر سيء الحال وعلى عنقه شبكة ، وفي يده شرك وعصا ، وهو مقبل نحو الشجرة ، فذعر الغراب منه وقال :

لقد ساق الصياد إلى ههنا أمر ، فما أدري ما هو ! ألموتي أم لموت غيري ؟ ولكني ثابت على كل حال ، وناظر ما يصنع .

فنصب الصياد شبكته ونثر فيها حبه وكمن قريبا ؛ فلم يلبث إلا قليلا حتى مرت به حمامة يقال لها المطوقة – وكانت سيدة الحمام – ومعها حمام كثير .

فرأت الحب ولم تر الشبكة ، فانقضت وانقض الحمام معها ، فوقعن في الشبكة جميعا . وجعلت كل حمامة منهن تضرب على ناحيتها وتعالج الخلاص لنفسها .

في الاتحاد قوة

فقالت المطوقة : لا تخاذلن في المعالجة ، ولا تكن نفس كل واحدة منكن أهم إليها من نفس صاحبتها ؛ ولكن تعاونّ عليها ، وطرن بها في علو السماء .

ورأى الصياد صنيعهن فاتبعهن يطلبهن ، ولم يقطع رجاءه منهن ، وظن أنهن لا يطرن إلا قريبا حتى يقعن .

وقال الغراب : لأتبعن حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهن وأمره .

والتفتت المطوقة فلما رأت الصياد يقفوهن قالت للحمام : ها هو ذا جاء يطلبكن ؛ فإن نحن أخذنا في الفضاء لم يخف عليه أمرنا ، ولم يزل يتبعنا ، وإن نحن أخذنا في الشجر والعمران لم نلبث أن يخفى عليه أمرنا ، ولم يزل يتبعنا حتى ييأس منا فينصرف .

ومع ذلك إن قريبا من الطريق جحر جرذ ، وهو صديق لي ، فلو انتهينا إليه لقطع عنا هذه الشبكة وخلصنا منها .

خلاص ونجاة

ففعل الحمام ما أمرتهن به المطوقة ، وخفين على الصياد ، فأيس منهن وانصرف .

وثبت الغراب على حاله لينظر هل للحمام من حيلة للخروج مما هن فيه فيتعلمها وتكون عدة لنفسه إن وقع في مثلها .

فلما انتهت المطوقة إلى مكان الجرذ أمرت الحمام بالنزول فوقعن ، ووجدت الجرذ قد أعد مائة جحر للمخارج ، فنادته المطوقة باسمه – وكان اسمه زيرك – فأجابها من الجحر وقال : من أنت ؟

فقالت له : الحمامة المطوقة .

فخرج إليها مسرعا ، فلما رآها في الشبكة قال لها : يا أختي ، ما أوقعك في هذه الورطة وأنت من الأذكياء ؟

قالت له : أما تعلم أنه ليس من الخير والشر شيء إلا وهو محتوم على من يصيبه ، بأيامه وعلله ومدته وكنه ما يبتلى به من قلته وكثرته ؟

فالمقادير هي التي أوقعتني في هذه الورطة ، ودلتني على الحب ، وأخفت علي الشبكة حتى دخلت فيها وصويحباتي .

فأخذ الجرذ في تقريض العُقد التي كانت فيها المطوقة . فقالت له : ابدأ بتقريض عقد سائر الحمام قبلي وانصرف إلي .

فأعادت ذلك عليه مرارا – كل ذلك لا يلتفت إلى قولها – فلما ألحت عليه قال لها : لقد كررت علي هذه المقالة كأنك ليس لك في نفسك  حاجة ، ولا ترين لها عليك حقا .

فقالت له المطوقة : لا تلمني على ما سألتك ؛ فإني قد كلفت لجماعتهن بالرياسة ، فحق ذلك علي عظيم . وقد أدين إلي حقي في الطاعة والنصيحة ، بمعونتهن وطاعتهن ، وبذلك نجانا الله من الصياد .

 

مصادر :

– تهذيب إسلامي لقصص كليلة ودمنة ( سليمان بن صالح الخراشي ) .

عن Amjad Bora