لقد تناول المتنبي الرثاء في عدة قصائد ، انحصر مجملها في رثاء جدته ، وأم سيف الدولة وابنه وأختاه الكبرى والصغرى ، وبعض وجهاء القوم ، وينقسم رثاء المتنبي إلى أربعة مواقف :
1 – يقف من الموت موقف الحكيم .
2 – يقف من الميت موقف التعظيم والتبجيل .
3 – يقف من أهل الميت موقف المادح .
4 – يقف من نفسه موقف الذكرى والألم النفسي .
روائع شعر المتنبي في الرثاء ( 1 )
قال في رثاء جدته ، وكان يحبها حبا جما :
أحِنّ إلى الكأسِ التي شرِبَتْ بها * وأهوى لمَثواها التّرابَ وما ضَمّا
بَكَيْتُ عَلَيها خِيفَةً في حَياتِها * وذاقَ كِلانا ثُكْلَ صاحِبِهِ قِدْمَا
أتاها كِتابي بَعدَ يأسٍ وتَرْحَةٍ * فَماتَتْ سُرُوراً بي فَمُتُّ بها غَمّا
حَرامٌ على قَلبي السّرُورُ فإنّني * أعُدّ الذي ماتَتْ بهِ بَعْدَها سُمّا
قال في رثاء الأمير التنوخي :
ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى * أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ
ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى * رَضْوَى على أيدي الرّجالِ تَسيرُ
خَرَجُوا بهِ ولكُلّ باكٍ خَلْفَهُ * صَعَقاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكّ الطُّورُ
والشّمسُ في كَبِدِ السّماءِ مريضَةٌ * والأرْضُ واجفَةٌ تَكادُ تَمُورُ
وحَفيفُ أجنِحَةِ المَلائِكِ حَوْلَهُ * وعُيُونُ أهلِ اللاّذقِيّةِ صُورُ
حتى أتَوْا جَدَثاً كَأنّ ضَرِيحَهُ * في قَلْبِ كُلّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ
قال في رثاء أم سيف الدولة :
حصن مثل ماء المزن فيه * كتوم السر صادقة المقال
مشى الأمراء حوليها حفاة * كأن المرو من زف الرئال
وأبرزت الخدور مخبآت * يضعن النقس أمكنة الغوالي
أتتهن المصيبة غافلات * فدمع الحزن في دمع الدلال
ولو كان النساء كمن فقدنا * لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب * ولا التذكير فخر للهلال
روائع شعر المتنبي في الرثاء ( 2 )
قال في رثاء ابن سيف الدولة وهو وليد لم يفطم بعد :
تركت خدود الغانيات وفوقها * دموع تذيب الحسن في الأعين النجل
بنفسي وليد عاد من بعد حمله * إلى بطن أم لا تطرق بالحمل
تبل الثرى سودا من المسك وحده * وقد قطرت حمرا على الشعر الجثل
فإن تك في قبر فإنك في الحشى * وإن تك طفلا فالأسى ليس بالطفل
ومثلك لا يبكي على قدر سنه * ولكن على قدر المخيلة والأصل
وقال أيضا :
لا يُحْزِنِ الله الأميرَ فإنّني * لآخُذُ مِن حَالاتِهِ بِنَصِيبِ
وَإنّي وَإنْ كانَ الدّفينُ حَبيبَهُ * حَبيبٌ إلى قَلْبي حَبيبُ حَبيبي
وَقَدْ فارَقَ النّاسَ الأحِبّةُ قَبْلَنَا * وَأعْيَا دَوَاءُ المَوْتِ كُلَّ طَبيبِ
سُبِقْنَا إلى الدّنْيَا فَلَوْ عاشَ أهْلُها * مُنِعْنَا بهَا مِنْ جَيْئَةٍ وَذُهُوبِ
تَمَلّكَهَا الآتي تَمَلُّكَ سَالِبٍ * وَفارَقَهَا المَاضِي فِراقَ سَليبِ
قال في رثاء أخت سيف الدولة الصغرى
وَلَذيذُ الحَيَاةِ أنْفَسُ في النّفْـ * ـسِ وَأشهَى من أنْ يُمَلّ وَأحْلَى
وَإذا الشّيخُ قَالَ أُفٍّ فَمَا مَـ * ـلّ حَيَاةً وَإنّمَا الضّعْفَ مَلاّ
آلَةُ العَيشِ صِحّةٌ وَشَبَابٌ * فإذا وَلّيَا عَنِ المَرْءِ وَلّى
أبَداً تَسْتَرِدّ مَا تَهَبُ الدّنْـ * ـيَا فَيا لَيتَ جُودَها كانَ بُخْلا
روائع شعر المتنبي في الرثاء ( 3 )
وقال في رثاء أبي شجاع وكان أحب أهل مصر إليه :
الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ * وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ
يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ * هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ
ألنّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ * وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ
إنّي لأجْبُنُ عَن فِراقِ أحِبّتي * وَتُحِسّ نَفسِي بالحِمامِ فأشجُعُ
قال في رثاء أخت سيف الدولة الكبرى
يا أُخْتَ خَيرِ أخٍ يا بِنْتَ خَيرِ أبِ * كِنَايَةً بهِمَا عَنْ أشرَفِ النّسَبِ
لا يَمْلِكُ الطّرِبُ المَحزُونُ مَنطِقَه * وَدَمْعَهُ وَهُمَا في قَبضَةِ الطّرَبِ
غدَرْتَ يا مَوْتُ كم أفنَيتَ من عدَدٍ * بمَنْ أصَبْتَ وكم أسكَتَّ من لجَبِ
وكم صَحِبْتَ أخَاهَا في مُنَازَلَةٍ * وكم سألتَ فلَمْ يَبخَلْ وَلم تَخِبِ
طَوَى الجَزِيرَةَ حتى جاءَني خَبَرٌ * فَزِعْتُ فيهِ بآمالي إلى الكَذِبِ
حتى إذا لم يَدَعْ لي صِدْقُهُ أمَلاً * شَرِقْتُ بالدّمعِ حتى كادَ يشرَقُ بي
أرَى العرَاقَ طوِيلَ اللّيْلِ مُذ نُعِيَتْ * فكَيفَ لَيلُ فتى الفِتيانِ في حَلَبِ
يَظُنّ أنّ فُؤادي غَيرُ مُلْتَهِبٍ * وَأنّ دَمْعَ جُفُوني غَيرُ مُنسكِبِ
بَلى وَحُرْمَةِ مَنْ كانَتْ مُرَاعِيَةً * لحُرْمَةِ المَجْدِ وَالقُصّادِ وَالأدَبِ
فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَةٌ * وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ
وَلَيْتَ عَينَ التي آبَ النّهارُ بهَا * فِداء عَينِ التي زَالَتْ وَلم تَؤبِ
مصادر :
– ديوان المتنبي .
ما معنى كلمة ”عيبق“ ؟
مجرد سهو أخي العزيز ، والكلمة الصحيحة عيب .
شكرا لك