الجمعة 19 أبريل 2024

أبيات شعر عن البحر نزار قباني : حينما تتناثر عبارات الحب على أمواج البحر

تم التحديث في: 2022-04-30

لطالما كان البحر قبلة لكل نفس تواقة للسكون والتأمل ، لعشاق تركوا آثار خطواتهم فوق رماله الذهبية ، وكان للشعراء كذلك النصيب الأكبر من جوده وكرمه ، فالبحر مصدر إلهام لخلق عبارات ساحرة تتغلغل إلى أعماق النفس ، وتوصل ما يريد الشاعر أن يبوح به .

واليوم اخترنا أبيات شعر ساحرة رنانة تقطر حبا وغراما ، أبدعها شاعر المرأة نزار قباني على شرف أمواج البحر الممتدة على الأفق الطويل .

 

هل تجيئين معي إلى البحر ؟

هل تجيئينَ معي إلى البحر ؟

لنحتمي تحت عباءته الزرقاء

لقد تفكَّك الزمنُ بين أصابعنا

وتفكَّكت عناصرُ عينيكِ..

فساعديني على لَمْلَمَتِكِ.. ولملمة شَعْرِكِ الذي ذَهَبَ ولم يترك لي عنوانَه..

فأنا أركضُ .. وهو يركض أمامي كدجاجةٍ مذبوحَه..

ساعديني في العثور على فمي..

فقد أخذتِ الحربُ دفاتري وخَرْبَشَاتي الطفوليَّه

أخذتِ الكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلكِ أجملَ النساء

والكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلني أعظمَ الشعراء..

هل أبوحُ لكِ بسِرٍّ صغير ؟

إنني أصيرُ قبيحاً عندما لا أكتُب..

وأصيرُ قبيحاً عندما لا أعشَق..

فساعديني على استعادة المجديْن..

مَجْدِ الكتابةِ.. ومَجْدِ العشق..

 

في الحب البحري

مواقفي منكِ ، كمواقف البحر..

وذاكرتي مائيّةٌ كذاكرته..

لا هو يعرف أسماءَ مرافئه..

ولا أنا أتذكرُ أسماءَ زائراتي

كلُّ سمكةِ تدخل إلى مياهي الإقليمية ، تذوب..

كلُّ امرأةٍ تستحمُّ بدمي ، تذوب…

كل نهدٍ ، يسقط كالليرة الذهبيه..

على رمال جسدي.. يذوب..

فلتكُنْ لكِ حكمةُ السُفُن الفينيقيه

وواقعيَّةُ المرافئ التي لا تتزوّج أحدا…

كلَّما شمَّ البحرُ رائحةَ جسمكِ الحليبي

صَهَلَ كحصانٍ أزرق

وشاركتُهُ الصهيل..

هكذا خلقني الله…

رَجُلاً على صورة بحرْ

بحراً على صورة رجُل

فلا تناقشيني بمنطق زارعي العِنَب والحِنطَه..

ودكاترة الطبّ النفسي..

بل ناقشيني بمنطق البحر

حيث الأزرقُ يُلغي الأزرق

والأشرعةُ تُلغي الأُفُق..

والقبْلَةُ تُلغي الشَفَه..

والقصيدةُ تُلغي ورقةَ الكتابَه…

أريدكِ أن تتكلّمي لغةَ البحر..

أريدكِ أن تلعبي معه..

وتتقلَّبي على الرمل معه..

وتمارسي الحبَّ معه..

فالبحرُ هو سيِّد التعدُّد.. والإخصاب.. والتحوّلات..

وأنوثتُكِ هي امتدادٌ طبيعي له..

أنا بحرُكِ يا سيّدتي..

فلا تسأليني عن تفاصيل الرحلة..

ووقتِ الإقلاع والوصول..

كلُّ ما هو مطلوبٌ منكِ..

أن تنسيْ غرائزكِ البَرِيَّه..

وتُطيعي قوانينَ البحر..

وتخترقيني.. كسمكةٍ مجنونه..

تشطُرُ السفينةَ إلى نصفين..

والأُفُقَ إلى نصفين..

وحياتي إلى نصفين…

 

القصيدة البحرية

 

في مرفأ عينيك الأزرق

أمطار من ضوء مسموع

وشموس دائخة .. وقلوع

ترسم رحلتها للمطلق

في مرفأ عينيك الأزرق

شباك بحري مفتوح

وطيور في الأبعاد تلوح

تبحث عن جزر لم تخلق

في مرفأ عينيك الأزرق

يتساقط ثلج في تموز

ومراكب حبلى بالفيروز

أغرقت الدنيا ولم تغرق

في مرفأ عينيك الأزرق

أركض كالطفل على الصخر

أستنشق رائحة البحر

وأعود كعصفور مرهق

في مرفأ عينيك الأزرق

أحلم بالبحر وبالإبحار

وأصيد ملايين الأقمار

وعقود اللؤلؤ والزنبق

في مرفأ عينيك الأزرق

تتكلم في الليل الأحجار

في دفتر عينيك المغلق

من خبأ آلاف الأشعار ؟

لو أني .. لو أني .. بحار

لو أحد يمنحني زورق

أرسيت قلوعي كل مساء

في مرفأ عينيك الأزرق

 

رسالة من تحت الماء

 

إن كنتَ صديقي.. ساعِدني

كَي أرحَلَ عَنك..

أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني

كَي أُشفى منك

لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّا

ما أحببت

لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِدا

ما أبحرت..

لو أنِّي أعرفُ خاتمتي

ما كنتُ بَدأت…

إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني

أن لا أشتاق

علِّمني

كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق

علِّمني

كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق

علِّمني

كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق

إن كنت نبياً .. خلصني

من هذا السحر..

من هذا الكفر

حبك كالكفر.. فطهرني

من هذا الكفر..

إن كنتَ قويَّا.. أخرجني

من هذا اليَم..

فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم

الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق

وأنا ما عندي تجربة

في الحب.. ولا عندي زورق..

إن كنت أعز عليك .. فخذ بيدي

فأنا عاشقةٌ من رأسي .. حتى قدمي

إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..

إنّي أغرق..

أغرق..

أغرق..

مصادر :

– الأعمال الشعرية الكاملة ( نزار قباني ) .

عن Amjad Bora