الجمعة 19 أبريل 2024

بحث عن الشاعر نزار قباني : شاعر المرأة والحب والسياسة

تم التحديث في: 2023-07-25

إني خيرتُكِ فاختاري

ما بينَ الموتِ على صدري

أو فوقَ دفاترِ أشعاري

اِختاري الحب أو اللاحب

فجُبن ألا تختاري

لا توجد منطقة وسطى

ما بين الجنة والنار

نستقبل اليوم شاعرا لطالما تحركت كلماته بعبارات العشق والحب ومخاطبة المرأة ، شاعر ثائر ووطني كسرت كلماته الصمت الخفي وعبرت الحدود ، وبددت السكون بصراخ مدوي ، إنه الشاعر نزار قباني .

 

من هو نزار قباني ؟

نزار بن توفيق القباني ، ولد بدمشق سنة 1923 ، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة دمشق سنة 1945 ، والتحق بعدها بوزارة الخارجية السورية ، وشغل عددا من المناصب الدبلوماسية في القاهرة وأنقرة ولندن ومدريد وبيروت .

أسس دارا للنشر في بيروت باسمه حتى يتفرغ للشعر ، الذي بدأ كتابته وهو في سن السادسة عشر من عمره ، ونشر ديوانه الأول ( قالت لي السمراء ) سنة 1944 ، وكان هذا الديوان تعبيرا جريئا عما كان يعانيه جيل الحرب العالمية الثانية من ضياع وقلق وكبت عاطفي .

وقد تعرض هذا الديوان ، حين صدوره ، لمقاومة عنيفة ، واعتبر ضربا لأساسات المضمون في القصيدة العربية وخروجا عن خط المدرسة التقليدية للشعر العربي .

نزار قباني ونكسة 1967

كانت الفاجعة العربية التي وقعت سنة 1967 محطة توقف عندها نزار قباني كثيرا ، وعرفت تحولا ونقلة كبيرة في مساره الشعري ، فبعد أن كان شاعر الرومانسية والحب ، يتحول إلى شاعر سياسي تضج قصائده بالغضب والقومية ، والثورة الوطنية والفكرية الداعية إلى التحرر من كل فكر قديم .

وشكلت قصائده ( خبز وحشيش وقمر ) و ( هوامش على دفتر النكسة ) خضة في المجتمع العربي لما تضمنته من واقعية وقسوة وجرأة في نقد مظاهر التخلف في المجتمع .

نزار قباني الزوج والابن

فقد الشاعر والدته وهو في بداياته الأولى ، فخلّف ذلك في نفسه فراغا كبيرا ، يقول في ذلك : فيا أمي ، يا حبيبتي ، يا فائزة قولي للملائكة الذين كلفتهم بالحراسة خمسين عاما أن لا يتركوني لأنني أخاف أن أنام وحدي .

هذا الفراغ والحزن الذي ألم به بعد وفاة أمه عاوده بعد وفاة زوجته بلقيس ، التي كان يعتبرها الزوجة والأم والوطن ، ويقول في ذلك :

بعد فشل زواجي الأول ، تزوجت عام 1970 من سيدة عراقية هي ( بلقيس الراوي ) تعمل في السفارة العراقية ببيروت ، فأنجبت زينب وعمر ، وقد توفيت في حادث انفجار السفارة عام 1981 ، فتركت وفاتها أكبر أثر في نفسي ، ورثيتها بقصيدة أعطيتها عنوان اسم زوجتي ‘ بلقيس ‘ .

 

وفاة الشاعر نزار قباني

 

بعد وفاة زوجته بلقيس ، انتقل شاعر المرأة إلى لندن وعاش أيامه الأخيرة فيها حتى وافته المنية في 30 أبريل 1998 ، عن عمر يناهز 75 عاما ، على إثر إصابته بنوبة قلبية ، وتم دفنه في دمشق بناء على وصيته ، وعرفت جنازته حضورا حاشدا للمثقفين والفنانين والسياسيين من مختلف الأقطار .

مؤلفات نزار قباني

 

كانت ثمرة مسيرة نزار قباني الشعرية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية ، ومرت هذه الإصدارات المتنوعة بعدة مراحل تاريخية :

– مرحلة ما بين ( 1944 / 1950 ) : ضمت هذه المرحلة عدة دواوين أهمها ‘ قالت لي السمراء ‘ ، ‘ طفولة نهد ‘ ، ‘ سامبا ‘ ، ‘ أنت لي ‘ .

– مرحلة ما بين ( 1956 / 1958 ) : ضمت هذه المرحلة قصائد تمثلت في ‘ حبيبتي ‘ ، ‘ يوميات امرأة لا مبالية ‘ .

– مرحلة ما بين ( 1966 / 1970 ) : ضمت هذه المرحلة عدة دواوين أهمها ‘ الرسم بالكلمات ‘ ، ‘ مئة رسالة حب ‘ ، ‘ كتاب الحب ‘ ، ‘ قصائد متوحشة ‘ .

– مرحلة ( 1972 ) : تمثلت هذه المرحلة في ديوانه ‘ أشعار خارجة على القانون ‘ .

– مرحلة ( 1981 ) :  تمثلت هذه المرحلة بعدة مؤلفات هي ‘ كل عام وأنت حبيبتي ‘ ، ‘ أحبك أحبك والبقية تأتي ‘ ، ‘ هكذا أكتب تاريخ النساء ‘ ، ‘ قاموس العاشقين ‘ .

 

الصورة الشعرية عند نزار قباني

يرى نزار قباني في الشعر الأرض التي يسير عليها ، فهو في طليعة الشعراء العرب من حيث قدرته على جذب الجمهور والتفاعل معه ، ويصرح نزار قباني قائلا :

على من يريد أن يقرأني أن يدخل إلى عالمي الشعري دخولا كاملا وشاملا ، أما الذي يكتفي بدخول غرفة واحدة من غرف البيت الكبير ، وينسى بقية الغرف فلا أريد أن يزورني مرة أخرى ، فأنا لست بحاجة إلى قراء يحملون كاميرات السياح ولا يستعملونها .

 

خصائص شعر نزار قباني

 

عرف شعر نزار قباني محطات مختلفة ، تبعا للمراحل التي مر بها في حياته ، فصب جل همه بداية في الغزل والمرأة ، وخاطب نزعاتها الأنثوية والجسدية بكل تفاصيلها ، وذهب بعد ذلك إلى الدعوة بتحرير ‘ الجنس ‘ من القيود الاجتماعية التي تقيده ، وتحاول تغطيته وحجبه .

ودعى بعد ذلك إلى تحرير المرأة وتحطيم القيود التي طالتها وقزمت دورها في المجتمع كعنصر أنثوي يستحق الحب ، فالشاعر يحاول بالحب أن يعالج كل القضايا والمحن ، وإن كان هذا الحب الجسدي المندفع الصريح ، يتجاوز كل الخطوط والتقاليد .

واتجه نزار قباني أخير إلى تحرير المجتمع العربي ، وحاول أن يخط له طريقا تنويريا يحطم كل فكر قديم ، ويسعى لكل ما فيه تقدم ورقي عنوانه الحب ، تلك كانت نظرة الشاعر الخاصة التي ترجمت صورا شعرية تحررية مدوية .

ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن شعر نزار قباني تغلب عليه النزعة الوجودية ، فهو صادق مع نفسه ومع الآخرين ، وشعره مرآة صريحة لكل ما يحس به ويعبر عنه ، ويلجأ إلى لغة سلسة بسيطة حتى تصل لأعماق النفوس وتوقظها .

 

مقتطفات من أشعار نزار قباني

 

فإذا وقفت أمام حسنك صامتا

فالصمت في حرم الجمال جمال

كلماتنا في الحب تقتل حبنا

إن الحروف تموت حين تقال

***

يحدث أحيانا  أن أبكي 

مثل الأطفال بلا سبب

يحدث أن أسأم من عيني بلا سبب

يحدث أن أتعب من كلماتي 

يحدث أن أتعب من تعبي 

***

وعدتك أن لا أحبك

ثم أمام القرار الكبير جبنت

وعدتك أن لا أعود

وعدت

وأن لا أموت اشتياقا

ومت

وعدت مرارا

وقررت أن أستقيل مرارا

ولا أتذكر أني استقلت

***

افهميني 

أتمنى مخلصا أن تفهميني

ربما أخطأت في شرح ظنوني

ربما سرت إلى حبك معصوب العيون

و نسفت الجسر ما بين اتزاني و جنوني

أنا لا يمكن أن أعشق إلا بجنوني

فاقبليني هكذا أو فارفضيني

***

أسائل دائما نفسي :

لماذا لا يكون الحب في الدنيا ؟

لكل الناس .. كل الناس

مثل أشعة الفجر

لماذا لا يكون الحب قي الدنيا ؟

مثل الماء في النهر

ومثل الغيم والأمطار

و الأعشاب والزهر

أليس الحب للإنسان

عمراً داخل العمر ؟؟؟

***

اعتيادي على غيابك صعب

واعتيادي على حضورك أصعب

كم أنا .. كم أحبك حتى

أن نفسي من نفسها تتعجب

يسكن الشعر في حدائق عينيك

فلولا عيناك لا شعر يكتب

مصادر :

نزار قباني شاعر المرأة والوطن .

– تاريخ الأدب العربي الحديث ( حنا الفاخوري ) .

– شعرية المرأة وأنوثة القصيدة : قراءة في شعر نزار قباني ( أحمد حيدوش ) .

عن Amjad Bora