الجمعة 29 مارس 2024

مي زيادة : قصة حياة الجميلة ملكة الصالون الأدبي

تم التحديث في: 2022-04-30

مي زيادة ، نقف بكم اليوم عند امرأة ألهمت نفوس الأدباء والشعراء ، فأحبوها لشخصيتها ولرقتها ولأدبها . كاتبة كتومة ، هادئة ، ومتقلبة كتقلب فصول السنة .

 

من هي مي زيادة ؟

 

ولدت ماري ابن إلياس زيادة في بلدة الناصرة بفلسطين عام 1886 ، وعقب ولادتها انتقلت مع والديها إلى لبنان ، فدخلت مدرسة للراهبات ، وأتقنت الكتابة باللغة الفرنسية ، وذاع صيتها الأدبي وهي في العشرين من عمرها ، وصحبت أبويها إلى مصر قبيل الحرب العالمية الأولى .

ولقد اختار والدها أن يستقر بمصر ، وأصدر جريدة ” المحروسة ” السياسية العربية ، فاتجهت مي إلى تقوية أسلوبها العربي..فدرست الأدب العربي ، والفلسفة الإسلامية ، والتحقت بالجامعة المصرية القديمة ، وأخذت تنشر مقالاتها باللغة العربية في جريدة ” المحروسة ” وفي المجلات الأدبية التي كانت مزدهرة في ذلك الحين…

كان اسمها ” ماري زيادة ” فاختارت لتوقيع كتاباتها اسم ” ميّ ” وقد لصق بها هذا الاسم العربي ، في اللغة العربية ، وفي جميع اللغات التي انتقلت إليها آثار ” ميّ “…

 

مي زيادة ملكة الصالون الأدبي

لقد بدأت مي حياتها الاجتماعية بأن أعدت في بيتها صالونا يجتمع فيه الأدباء وأهل الفكر والسياسة يوم الثلاثاء من كل أسبوع ، وكان يضم أسماء ذات وزن ثقيل في مجالها ، منهم عميد الأدب العربي طه حسين ، وشيخ العروبة أحمد زكي ، وشيخ الشعراء إسماعيل صبري ، وأمير الشعراء أحمد شوقي .

وكان يوم الثلاثاء يوما مقدسا  عند رواد الصالون… قلما يتخلف منهم أحد في هذا اليوم عن زيارة مي إلا إن كان مريضا أو على سفر ، ويقول في ذلك إسماعيل صبري :

روحي على بعض دور الحي حائمة  *  كظامئ الطير تواقا إلى الماء

إن لم أمتع بميّ ناظريّ غدا  *  لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء

 

مي زيادة الوطنية

 

لقد تشبعت مي زيادة بالأفكار التحررية الثائرة التي تدعو لنبذ التفرقة والظلم ، ومحاربة الأفكار التي تدعو إلى التحجر والعبودية ، لكن ثورتها كانت لا تخرج عن تلك الهالة المحافظة التي اقتضتها تربيتها الشرقية . ولقد حرصت في أبحاثها وكتاباتها على تبني مختلف القضايا الاجتماعية ومعالجتها بنظرة الفيلسوف الناقد .

وكانت مي على رأس المناضلات اللاتي يدافعن عن المرأة وحقوقها ، دون أن يكون هذا الدفاع خارجا عن العقل والحكمة ، فهي تعتبر المرأة إحدى مقومات صلاح المجتمع ، إن فسدت فسد المجتمع ، وفي ذلك تقول مي :

– نحن في حاجة شديدة إلى نساء تتجلى فيهن عبقرية الرجال دون أن يفقدن صفاتهن النسائية الجميلة من لطف العاطفة ، وعذوبة الخلق ، والرقة ، والدعة ، والاستقامة ، والإخلاص .

 

حقيقة جنون مي زيادة

شكلت سنة 1929 بداية مأساة مي زيادة ، حيث فجعت بوفاة والدها ، ثم بعد ذلك بسنة رحلت والدتها ، فتحطمت نفس مي ، وزادت عزلتها ونظرتها التشاؤمية ، ولقد استغل أقاربها هذه المأساة ، فحاربوا مي طمعا في مالها ، فادعوا  أنها قد أصيبت في عقلها ونقلوها إلى مستشفى العصفورية بلبنان…

قضت مي أسوأ أيام حياتها في المستشفى ، فهزل جسدها وشاب شعرها ، وقد تمكنت من كسب قضية المرافعة ضد أقاربها ، وأثبت الطبيب أنها تتمتع بكامل قواها العقلية ، فخرجت من المستشفى عائدة إلى القاهرة حيث لم تجد من أصدقاء الماضي المؤنسين سوى القليل .

يقول الكاتب المفكر سلامة موسى : “… عندما عادت من لبنان ، كانت سيدة بيضاء الشعر  كأنها في السبعين ، لقد قاست في المستشفى كثيرا ، ثم عادت فلم تجد أحدا ينتظرها أو يترقبها ، كانت تضحك مرة وتبكي أخرى ، وكانت دموعها تنهمر بالبكاء ثم بعد لحظات تنشج بالضحك ” .

 

وفاة مي زيادة

 

توفيت مي زيادة في مستشفى المعادي عام 1941 ، بعد أن اشتدت عليها آلام المرض ، ومرارة تنكر الأهل والأصدقاء ، وقد وصفت إحدى المقربات من مي جنازتها فقالت :

– لو رأيت جنازتها لرأيت البساطة ممثلة فيها . كان هناك أحمد لطفي السيد باشا ، وكنت معه ،  وأنطون بك الجميل وخليل مطران بك وبعض أصدقائها . لقد كنت راكبة مع لطفي السيد باشا في سيارة خلف نعشها . ولما وصلنا إلى الديار البعيدة الساحقة… ودنونا من قبرها ، فوقف عليه لطفي السيد باشا وذرف السخين من العبرات حينما تلقوها من بين أيدينا ليسلموها إلى سكون الموت ووحشة القبر ، ويودعوا جسدها التراب .

 

مؤلفات مي زيادة

 

خلفت مي زيادة مؤلفات أدبية مهمة ، منها ما هو موضوع ، ومنها ما هو منقول .

فمن مؤلفاتها الموضوعة :

– أزهار حلم : شعر باللغة الفرنسية .

– باحثة البادية : وضعته سنة 1920 ودرست فيه شخصية الأديبة والداعية لتحرير المرأة حفني ناصف .

– كلمات وإشارات : مجموعة من الخطب الاجتماعية .

– سوائح فتاة : مجموعة من النظريات والآراء جمعت بناء على اقتراح من الأديب ولي الدين يكن .

– المساواة : معالجة لقضية الطبقة الاجتماعية .

– الصحائف : ظهر هذا الكتاب سنة 1924 وفيه مقدمة تنطوي على نظرة قيمة في النقد الأدبي ، وقسمان : قسم لصحائف بعض الأشخاص ، وقسم لرحلات السندباد البحري .

– بين الجزر والمد ، وظلمات وأشعة : في الكتابين مقالات أدبية وفنية وشعرية .

أما مؤلفاتها المنقولة فهي :

– ابتسامات ودموع : عن الألمانية .

– الحب في العذاب : عن الإنجليزية .

– رجوع الموجة : عن الفرنسية .

 

أدب مي زيادة

 

بدأت مي حياتها الأدبية بتحرير فصول في جريدة أبيها ” المحروسة ” تحت عنوان ( يوميات فتاة ) ..ومن أجمل هذه الفصول مقال ” غرفة في مكتبة ” تحدثت فيه عن فترة قضتها بين صور مشاهير الكتاب في إحدى غرف الجامعة المصرية .

كانت مي في بداياتها تكتب باللغة الفرنسية ، غير أن بعض المحيطين بها نصحوها بدراسة اللغة العربية ومطالعة الكتابات العربية الفصحى ، ثم أخذت تقرأ ما يكتبه الكتاب حتى تكونت لها ملكة عربية شجعتها على الترجمة ، فترجمت ” ابتسامات ودموع ” … وغيرها .

وكان أول كتبها في اللغة العربية عن ” باحثة البادية ” صدر سنة 1920 . تقول مي زيادة : ” وعلى ذلك أستطيع أن أقول أن أهم ما أثر في مجرى حياتي الكتابية ثلاثة أشياء : أولها النظر إلى جمال الطبيعة والثاني القرآن الكريم بفصاحته وبلاغته الرائعة والثالث الحركة الوطنية التي لولاها ما بلغت هذه السرعة في التطور الفكري ” .

وتظهر شخصية مي الأدبية بتلك النظرة الناقدة صاحبة التحليل العميق للظاهرة الأدبية والشعرية . تقول في ذلك : ” الأدب هو فن التعبير عن العواطف والميول والتأثيرات نظما ونثرا ” . وتعتبر الشعر عاطفة ذائبة أو خاطرة عميقة سكبت في قالب موزون الكلام والنغمة .

قال عنها طه حسين : ” إن ميّ تمثل في نفسي بداوة البادية ، وحضارة الحاضرة ، وثقافة العرب القدماء ، وما يتمنى المثقف أن يصل إليه ” .

 

من أقوال مي زيادة

 

– يجب أن يتألم المرأ ليدرك عذوبة الحنان . يجب أن يحتاج إلى الآخرين ليعلم كم يحتاج غيره إليه . يجب أن يرى حقوقه مهضومة يزدرى بها ليفهم أن حقوق الغير مقدسة يجب احترامها .

– الحياة الإنسانية ثلاث خطوات : خطوة من الجهل إلى المعرفة ، وخطوة من المعرفة إلى الارتقاء ، وخطوة إلى ذلك اللامع هناك في أقاصي الآمال : إلى المثل الأعلى الذي نجهله ويحيينا جميعا .

– الإحسان إلى الناس لا يقوم بإعطائهم مالا وقوتا وثيابا يتمتعون بها دون تعب ، فيحسبون الحصول عليها من حقوقهم ، بل الإحسان إليهم في فتح عيونهم وأفهامهم ليدركوا أن الذي لا يؤدي واجبا لا حق له في شيء .

– الثورة ككل جرأة : في وقتها ، ومكانها عبقرية وانتصار ، وفي غير ذلك حماقة وانحدار .

– السلاسل والقيود أقل رموز العبودية هولا ! القيود في دمائنا وأهلنا وأوطاننا . القيود في رغباتنا وحاجاتنا . القيود في بشريتنا .

– كيف تستطيع الأفعى الزاحفة على الأرض أن تفهم النسر المحلق في الفضاء .

– الدموع الراسبة في أعماق القلوب تذيب منا الكبرياء والغرور ، وتأتينا بخبرة عجيبة تدنينا من جوهر الأشياء ، وتخرج منا الحكماء والأنبياء .

– صديقك الحقيقي هو الذي يعرف أنه يضربك ضربة عظيمة عندما يرى ضرورة لذلك ، غير أنه لا يفعل ذلك إلا بمحبة .

اقرأ أيضا :

حياة جبران خليل جبران

مراجع :

– تاريخ الأدب العربي الحديث ( حنا الفاخوري ) .

– مي زيادة أو مأساة النبوغ – المجلد الأول ( سلمى الحفار الكزبري ) .

– من أعلام الفكر والأدب ( أنور الجندي ) .

عن Amjad Bora