كيف ينظر الشاعر إلى الطبيعة ؟
إن نظرته تختلف عن نظرتنا ، لأنه يرى فيها أبلغ الدروس والعظات ، يرى فيها أسمى آيات الجمال والسكون ، يرى فيها الحب والابتسامة والحياة ككل .
هذا ما سنكتشفه في هذه القصيدة الرائعة التي يتغنى فيها الشاعر بجمال الطبيعة الخلابة ، وذلك على شكل نداء ودروس يقدمها الشاعر لفتاة وسط أحضان الطبيعة .
القصيدة
قفي بين الخمائل يا فتاتي * لأسمعك الدروس الباقيات
فهذا الكون سفر قد تجلت * به أسمى المعاني الرائعات
فما مثل الطبيعة يا فتاتي * ففي صفحاتها معنى الحياة
هنالك بلبل الغابات يشدو * على أفنانه هجزا طروبا
يحلق صادحا في الأفق * ولا يخشى العواصف والخطوبا
فكوني كالبلابل يا فتاتي * ففي نغماتها معنى الحياة
هناك الماء بين الروض يجري * طليقا لا يمل من الخرير
يصفق تارة ويئن أخرى * ويقصد شاطئ البحر الكبير
فكوني كالجداول يا فتاتي * ففي أصواتها معنى الحياة
هناك الزهر يفترّ ابتساما * ويكسوه الندى عقدا عجيبا
تصادمه الرياح فلا يبالي * وينشر في الورى أرجا وطيبا
فكوني كالأزاهر يا فتاتي * ففي نفحاتها معنى الحياة
أرى أيامنا تأتي وتمضي * كنغمة طائر وخرير ماء
ولا يبقى سوى ذكر جميل * يفوح شذاه في هذا البقاء
ففي أجسامنا معنى فناء * وفي أرواحنا معنى الحياة
نظرة على القصيدة
بكلمات تفوح عطرا وصفاء وحبا للحياة ، عشنا لحظات هادئة مع أبيات هذه القصيدة الجميلة والرائعة ، وهي كما قلنا ، عبارة عن تغني بجمال الطبيعة ، رسمها الشاعر على شكل نداء ودورس لفتاة محبوبة صغيرة وجميلة .
والشاعر هو حليم دموس ، ولد بلبنان سنة 1888 ، ويعتبر من الشعراء المهاجرين الذين عاصروا زمن النهضة الشعرية الحديثة ، ولديه مؤلفات أدبية وقصائد شعرية متنوعة ، ويتميز أسلوب شعره بالانسيابية والتركيز على السكينة واستحضار الصفاء الروحي في الحياة ، وقصيدته التي بين أيدينا خير مثال على ذلك .
شرح القصيدة
وسط ربوة من الأشجار الخضراء الملتفة ، وقف الشاعر يلقن فتاته دروسا في الحياة على شرف الطبيعة الغناء ، فالطبيعة هي أصل الحياة ، ومركز للكون الفسيح الذي رسمته يد الخالق الجليل .
هنالك بلبل الغابات يشدو * على أفنانه هجزا طروبا
يحلق صادحا في الأفق * ولا يخشى العواصف والخطوبا
ولنا في البلبل خير مثال للحبور والفرح والنشاط ، مثالا للعامل النشيط الذي لا يخشى مصاعب الحياة وخطوبها ، لأن الأمل والتفاؤل سلاحه .
هناك الماء بين الروض يجري * طليقا لا يمل من الخرير
يصفق تارة ويئن أخرى * ويقصد شاطئ البحر الكبير
ويعلمنا الماء معاني الصبر والالتزام بالعمل ، وذلك في وصف جميل لرحلة النهر الطويلة التي يقطعها حتى يصل شاطئ البحر الكبير .
هناك الزهر يفترّ ابتساما * ويكسوه الندى عقدا عجيبا
تصادمه الرياح فلا يبالي * وينشر في الورى أرجا وطيبا
أما الأزهار فتعلمنا كيف تكون الابتسامة شعارا في حياتنا ، لما تترك في النفس من انشراح وسكون ، ولنا في قصيدة ابتسم لايليا أبو ماضي ، أجمل مثال على قوة تأثير الابتسامة في هذه الحياة .
أرى أيامنا تأتي وتمضي * كنغمة طائر وخرير ماء
ولا يبقى سوى ذكر جميل * يفوح شذاه في هذا البقاء
ختم الشاعر قصيدته بحكمة غاية في الجمال والتفكر ، حيث جعل أيام العمر الإنساني كأيام عمر الطير وخرير المياه ، وعطر الزهور ، وجعل البقاء والخلود من نصيب الذكر الجميل ، وتلك هي الغاية الأسمى لحياة إنسانية مثالية ، يسودها الحب والصفاء الروحي .
ولهذا السبب يطالبنا الشاعر بالرجوع إلى الطبيعة ، لنقتبس منها كثيرا من المعاني السامية في الحياة ، فنتعلم دروسها مثلما تعلمت فتاة الشاعر .
Merci pour votre patience ماشاء الله قصيدة في قمة الجمال والتعبير والفصاحة ،الله يعطيك الصحة والهناء وصلي اللهم وسلم عى سيدنامحمد