الحيوانات لا تتكلم ، وإنما ينطقها الأدباء والحكماء في كتبهم ليجد الناس في أحاديثهم عبرة ، مثلما ستجدون في قصص اليوم ، المأخوذة من كتاب ” كليلة ودمنة ” للكاتب والأديب الكبير ابن المقفع .
الثعلب والطبل
يضرب هذا المثل لمن يغر الناس بمنظره وهيئته ، فإذا داخله بخلاف ظاهره ، وقصته :
زعموا أن ثعلباً جائعا مر بأجمة فيها طبل معلق ، فهبت الريح فجعلت أغصان الشجرة تقرع الطبل فيصدر صوتا شديدا .
فسمع الثعلب ذلك الصوت ، فتوجه إليه حتى أتاه ، فلما رآه ضخما ظن أن ذلك لكثرة شحمه ولحمه .
فعالجه حتى شقه .
فلما رآه أجوف قال : ما أدري ، لعل أضعف الأشياء أضخمها جثة وأشدها صوتا .
الحمامتان والحب
يبين هذا المثل عاقبة التعجل في حياة الإنسان ، وهي الندم والحسرة ، وقصته :
زعموا أن حمامتين – ذكرا وأنثى – ملأا عشهما من الحنطة والشعير . فقال الذكر للأنثى : إنا إذا وجدنا في الصحاري ما نعيش به فلسنا نأكل مما في عشنا شيئا . فإذا جاء الشتاء ولم يكن في الصحاري شيء رجعنا إلى ما في عشنا فأكلناه .
فرضيت الأنثى بذلك وقالت له : نِعم ما رأيت .
وكان ذلك الحب نديا حين وضعاه ، فامتلأ عشهما منه . وانطلق الذكر في بعض أسفاره . فلما جاء الصيف يبس ذلك الحب وانضمر .
فلما رجع الذكر رأى الحب ناقصا فقال لها : أليس كنا قد أجمعنا رأينا على ألا نأكل منه شيئا ؟ فلم أكلته ؟ فجعلت تحلف أنها ما أكلت منه شيئا . وجعلت تعتذر إليه فلم يصدقها ، وجعل ينقرها حتى ماتت .
فلما جاءت الأمطار ودخل الشتاء تندى الحب وامتلأ العش كما كان . فلما رأى الذكر ذلك ندم ثم اضطجع إلى جانب حمامته وقال:
ما ينفعني الحب والعيش بعدك إذا طلبتك فلم أجدك ، ولم أقدر عليك ، وإذا فكرت في أمرك وعلمت أني قد ظلمتك ، ولا أقدر على تدارك ما فات . ثم استمر على حزنه فلم يطعم طعاما ولا شرابا حتى مات إلى جانبها .
السرطان والعلجوم
/ العلجوم : ذكر البط .
يضرب هذا المثل لمن اتصف بصفة الحذر من الأعداء وعدم الثقة بهم ، ولو أظهروا له الود والقصد الحسن ، واستطاع أن يباغتهم بسرعة بديهة وحسن تصرف ، وقصته :
كان علجوم معششا في أجمة مخصبة كثيرة السمك . فعاش هنالك ما عاش ، ثم هرم فلم يستطع الصيد ، فأصابه جوع وجهد ، فالتمس الحيل وقعد مفكرا حزينا .
فرآه سرطان من بعيد ، فلما رأى حاله عرف ما به .
فأتاه فقال له : ما لي أراك كئيبا حزينا ؟
فقال العلجوم : وكيف لا أكتئب ولا أحزن وإنما كان معاشي من السمك ههنا وهن كثير ، وإني رأيت اليوم صيادين أتيا مكاننا هذا فقال أحدهما لصاحبه : إن ههنا سمكا كثيرا أفلا نصيده ؟
فقال صاحبه : إني عرفت أمامنا مكانا فيه سمك أكثر منه ، فأنا أحب أن نبدأ به ثم نرجع إلى ههنا فنفنيه .
وقد علمتُ أنهما لو فرغا من هناك رجعا إلينا فلم يتركا في هذه الأجمة سمكة إلا صاداها ، فإذا كان ذلك فإن فيها هلاكي وموتي ، فانطلق السرطان إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك .
فأقبلن إلى العلجوم وقلن له : أتيناك لتشير علينا فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه إذا كان ذا رأي في الأمر الذي يشركه فيه ، وأنت ذو رأي ولك في بقائنا صلاح ! فأشر علينا برأيك .
رأي ثمنه الغدر والهلاك
قال العلجوم : أما مكابرة الصيادين وقتالهما فليسا عندنا ولا نطيقهما ، ولا أعلم حيلة ، إلا أني قد عرفت مكانا كثير الماء والخضرة فإن شئتن فانتقلن إليه .
فقلن له : ومن يمن علينا بذلك ؟
فقال : أنا .
فجعل يحمل منهن اثنتين في كل يوم . ينطلق بهما إلى بعض التلال فيأكلهما .
ثم إن السرطان قال له : إني قد أشفقت مما قد حذرتنا فلو ذهبت بي .
فحمله حتى دنا من المكان الذي كان يأكلهن فيه . فلما بصر بعظامهن مجموعة تلوح عرف أنه هو صاحبهن ، وأنه يريد به مثلهن .
فقال : إذا لقي المرء عدوه في المواطن التي يعلم أنه هالك فيها فهو حقيق أن يقاتل كرها وحفاظا على نفسه ، فأهوى بكلاليبه على عنق العلجوم فعصره فوقع إلى الأرض ميتا ورجع السرطان إلى السمك وأخبرهن بما حدث .
السمكات الثلاث
يضرب هذا المثل لثلاثة أصناف من البشر : أحدهما : مجتهد حريص على نفع نفسه والبعد عن مواطن الهلاك ، والآخر يتأنى ويتأنى حتى إذا وقع الامتحان والابتلاء جد في تخليص نفسه في اللحظة الأخيرة ، فنجا بعد أن كاد يهلك .
وأما الثالث : فعاجز غير فطن ، يضيع الأوقات في اللهو واللعب ، حتى يقع به الامتحان والابتلاء ، فيقع متعثرا مع العاجزين ، وقصته :
زعموا أن غديرا كان فيه ثلاث سمكات ، وكان ذلك المكان في منخفض من الأرض لا يكاد يقربه من الناس أحد ، فلما كان ذات يوم مر صيادان على ذلك الغدير مجتازين فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهما فيصيدا الثلاث سمكات اللواتي رأياهن فيه .
فلما رأتهما السمكة الأولى وكانت سريعة البديهة ، ارتابت بهما وتخوفت منهما فقفزت من مدخل الماء إلى النهر .
وأما السمكة الثانية وكانت ذكية ، فتلبثت حتى جاء الصيادان ، فلما أبصرتهما قد سدا المخرج وعرفت التي يريدان بها قالت : فرطت وهذه عاقبة التفريط ، فكيف الخلاص ؟
ثم تماوتت وجعلت تطفو على وجه الماء منقلبة ، فأخذاها فألقياها على الأرض غير بعيدة من النهر ، فوثبت فيه فنجت منهما .
أما السمكة الثالثة وكانت عاجزة ، فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صاداها .
مصادر :
– تهذيب إسلامي لقصص كليلة ودمنة ( سليمان بن صالح الخراشي ) .