الجمعة 19 أبريل 2024

قصص على لسان الحيوان من كتاب كليلة ودمنة : تحمل حكما وعبر

تم التحديث في: 2023-02-02

الحيوانات لا تتكلم ، وإنما ينطقها الأدباء والحكماء في كتبهم ليجد الناس في أحاديثهم عبرة ، مثلما ستجدون في قصص اليوم ، المأخوذة من كتاب ” كليلة ودمنة ” للكاتب والأديب الكبير ابن المقفع .

 

الثعلب والطبل

 

يضرب هذا المثل لمن يغر الناس بمنظره وهيئته ، فإذا داخله بخلاف ظاهره ، وقصته :

زعموا أن ثعلباً جائعا مر بأجمة فيها طبل معلق ، فهبت الريح فجعلت أغصان الشجرة تقرع الطبل فيصدر صوتا شديدا . 

فسمع الثعلب ذلك الصوت ، فتوجه إليه حتى أتاه ، فلما رآه ضخما ظن أن ذلك لكثرة شحمه ولحمه .

فعالجه حتى شقه .

فلما رآه أجوف قال : ما أدري ، لعل أضعف الأشياء أضخمها جثة وأشدها صوتا .

الحمامتان والحب

 

يبين هذا المثل عاقبة التعجل في حياة الإنسان ، وهي الندم والحسرة ، وقصته :

زعموا أن حمامتين – ذكرا وأنثى – ملأا عشهما من الحنطة والشعير . فقال الذكر للأنثى : إنا إذا وجدنا في الصحاري ما نعيش به فلسنا نأكل مما في عشنا شيئا . فإذا جاء الشتاء ولم يكن في الصحاري شيء رجعنا إلى ما في عشنا فأكلناه .

فرضيت الأنثى بذلك وقالت له : نِعم ما رأيت .

وكان ذلك الحب نديا حين وضعاه ، فامتلأ عشهما منه . وانطلق الذكر في بعض أسفاره . فلما جاء الصيف يبس ذلك الحب وانضمر .

فلما رجع الذكر رأى الحب ناقصا فقال لها : أليس كنا قد أجمعنا رأينا على ألا نأكل منه شيئا ؟ فلم أكلته ؟ فجعلت تحلف أنها ما أكلت منه شيئا . وجعلت تعتذر إليه فلم يصدقها ، وجعل ينقرها حتى ماتت .

فلما جاءت الأمطار ودخل الشتاء تندى الحب وامتلأ العش كما كان . فلما رأى الذكر ذلك ندم ثم اضطجع إلى جانب حمامته وقال:

ما ينفعني الحب والعيش بعدك إذا طلبتك فلم أجدك ، ولم أقدر عليك ، وإذا فكرت في أمرك وعلمت أني قد ظلمتك ، ولا أقدر على تدارك ما فات . ثم استمر على حزنه فلم يطعم طعاما ولا شرابا حتى مات إلى جانبها .

السرطان والعلجوم 

 

/ العلجوم : ذكر البط .

يضرب هذا المثل لمن اتصف بصفة الحذر من الأعداء وعدم الثقة بهم ، ولو أظهروا له الود والقصد الحسن ، واستطاع أن يباغتهم بسرعة بديهة وحسن تصرف ، وقصته :

كان علجوم معششا في أجمة مخصبة كثيرة السمك . فعاش هنالك ما عاش ، ثم هرم فلم يستطع الصيد ، فأصابه جوع وجهد ، فالتمس الحيل وقعد مفكرا حزينا .

فرآه سرطان من بعيد ، فلما رأى حاله عرف ما به .

فأتاه فقال له : ما لي أراك كئيبا حزينا ؟

فقال العلجوم : وكيف لا أكتئب ولا أحزن وإنما كان معاشي من السمك ههنا وهن كثير ، وإني رأيت اليوم صيادين أتيا مكاننا هذا فقال أحدهما لصاحبه : إن ههنا سمكا كثيرا أفلا نصيده ؟

فقال صاحبه : إني عرفت أمامنا مكانا فيه سمك أكثر منه ، فأنا أحب أن نبدأ به ثم نرجع إلى ههنا فنفنيه .

وقد علمتُ أنهما لو فرغا من هناك رجعا إلينا فلم يتركا في هذه الأجمة سمكة إلا صاداها ، فإذا كان ذلك فإن فيها هلاكي وموتي ، فانطلق السرطان إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك .

فأقبلن إلى العلجوم وقلن له : أتيناك لتشير علينا فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه إذا كان ذا رأي في الأمر الذي يشركه فيه ، وأنت ذو رأي ولك في بقائنا صلاح ! فأشر علينا برأيك .

رأي ثمنه الغدر والهلاك 

قال العلجوم : أما مكابرة الصيادين وقتالهما فليسا عندنا ولا نطيقهما ، ولا أعلم حيلة ، إلا أني قد عرفت مكانا كثير الماء والخضرة فإن شئتن فانتقلن إليه .

فقلن له : ومن يمن علينا بذلك ؟

فقال : أنا .

فجعل يحمل منهن اثنتين في كل يوم . ينطلق بهما إلى بعض التلال فيأكلهما .

ثم إن السرطان قال له : إني قد أشفقت مما قد حذرتنا فلو ذهبت بي .

فحمله حتى دنا من المكان الذي كان يأكلهن فيه . فلما بصر بعظامهن مجموعة تلوح عرف أنه هو صاحبهن ، وأنه يريد به مثلهن .

فقال : إذا لقي المرء عدوه في المواطن التي يعلم أنه هالك فيها فهو حقيق أن يقاتل كرها وحفاظا على نفسه ، فأهوى بكلاليبه على عنق العلجوم فعصره فوقع إلى الأرض ميتا ورجع السرطان إلى السمك وأخبرهن بما حدث .

 

السمكات الثلاث

 

يضرب هذا المثل لثلاثة أصناف من البشر : أحدهما : مجتهد حريص على نفع نفسه والبعد عن مواطن الهلاك ، والآخر يتأنى ويتأنى حتى إذا وقع الامتحان والابتلاء جد في تخليص نفسه في اللحظة الأخيرة ، فنجا بعد أن كاد يهلك .

وأما الثالث : فعاجز غير فطن ، يضيع الأوقات في اللهو واللعب ، حتى يقع به الامتحان والابتلاء ، فيقع متعثرا مع العاجزين ، وقصته :

زعموا أن غديرا كان فيه ثلاث سمكات ، وكان ذلك المكان في منخفض من الأرض لا يكاد يقربه من الناس أحد ، فلما كان ذات يوم مر صيادان على ذلك الغدير مجتازين فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهما فيصيدا الثلاث سمكات اللواتي رأياهن فيه .

فلما رأتهما السمكة الأولى وكانت سريعة البديهة ، ارتابت بهما وتخوفت منهما فقفزت من مدخل الماء إلى النهر .

وأما السمكة الثانية وكانت ذكية ، فتلبثت حتى جاء الصيادان ، فلما أبصرتهما قد سدا المخرج وعرفت التي يريدان بها قالت : فرطت وهذه عاقبة التفريط ، فكيف الخلاص ؟

ثم تماوتت وجعلت تطفو على وجه الماء منقلبة ، فأخذاها فألقياها على الأرض غير بعيدة من النهر ، فوثبت فيه فنجت منهما .

أما السمكة الثالثة وكانت عاجزة ، فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صاداها .

 

مصادر :

– تهذيب إسلامي لقصص كليلة ودمنة ( سليمان بن صالح الخراشي ) .

عن Amjad Bora