لطالما كان الشعر العربي حاضرا ومواكبا لأي حدث كيفما كان نوعه ، وذاك ليس غريبا إن علمنا أن مصدره لغة عريقة متطورة في كل زمان ومكان .
لا شك في أنك تفضل حضور مباراة رياضية على استماع وصف لها ، لكنك تجد متعة كبيرة إن كان الوصف حيا وجميلا كما هو وصف الشاعر الكبير المبدع معروف الرصافي للعبة الكرة .
قصيدة كرة القدم للشاعر معروف الرصافي
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم * كرة تراض بلعبها الأجسام
وقفوا لها متشمّرين فألقيت * فتعاورتها منهم الأقدام
يتراكضون وراءها في ساحة * للسوق معترك بها وصدام
وبرفس أرجلهم تساق وضربها * بالكفّ عند اللاعبين حرام
ولقد تُحلَق في الهواء وإن هوت * شرعوا الرؤوس فناطحتها الهام
وتخالها حيناً قذيفة مدفع * فتمرّ صائتة لها إرزام
ولربما سقطت فقام حيالها * للضرب عبل الساعدَين همام
فتخالها وتخاله كفريسةٍ * سقطت فزمجر دونها الضرغام
لا تستقرّ بحالة فكأنها * أمل به تتقاذف الأوهام
تنحو الشمال بضربةٍ فيردّها * نجو الجنوب مُلاعب لطّام
وتمر واثبة على وجه الثرى * مراً كما تتواثب الآرام
وتدور بين اللاعبين فمحجِم * عنها وآخر ضارب مقدام
راضوا بها الأبدان بعد طِلابهم * علماً تراض بدرسه الأفهام
فإذا شغلت العقل فالْهُ سويعةً * فاللهو من تعب العقول جمام
إن الجسوم إذا تكون نشيطةً * تقوى بفضل نشاطها الأحلام
قاموس الكلمات
– تعاورتها الأقدام : تداولتها بالقذف .
– الهام : جمع هامة وهي رأس كل شيء والمقصود هنا رأس الإنسان .
– إرزام : اشتداد الصوت .
– عبل الساعدين : ضخم الساعدين .
– زمجر الضرغام : ردد الأسد زئيره .
– الآرام : جمع رئم وهو الظبي الأبيض .
– جمام : راحة .
شرح قصيدة في ملعب كرة القدم
بكلمات تتدافع وتتراكض وسط ملعب كرة القدم ، نسج الشاعر الملهم معروف الرصافي أبيات قصيدته الرائعة ، فكان معلقا من نوع خاص جدا .
دخل اللاعبون الملعب وهدفهم تحقيق فوز على الفريق المنافس بواسطة كرة هي محور المنافسة ، دخلوا ساحة المنافسة فانطلقت المعركة باندفاع اللاعبين واصطدامهم مع بعضهم البعض ، يتقاذفون الكرة فيما بينهم .
وقفوا لها متشمّرين فألقيت * فتعاورتها منهم الأقدام
يتراكضون وراءها في ساحة * للسوق معترك بها وصدام
وبكلمات منتهى الروعة يشرح الشاعر قوانين كرة القدم ، موضحا أن لمس الكرة باليد ممنوع ومحرم في اللعبة ، وينتقل إلى وصف تعارك اللاعبين حول الكرة ، من قفز لضرب الكرة بالرؤوس ، والكل يترقب أن يظفر بالكرة كأسد يتربص بفريسته لينقض عليها .
فتخالها وتخاله كفريسةٍ * سقطت فزمجر دونها الضرغام
لا تستقرّ بحالة فكأنها * أمل به تتقاذف الأوهام
تنحو الشمال بضربةٍ فيردّها * نجو الجنوب مُلاعب لطّام
ويستمر المعلق الشاعر بوصف تحركات اللاعبين في الملعب ، وتقاذفهم للكرة ، حتى يخلص إلى حكمة جميلة ، وهي الموازنة بين السعي على تحقيق طموحاتنا وأحلامنا ، وإعطاء العقول والأبدان حقها في اللهو والراحة ، حتى تتحقق الموازنة المطلوبة .
فإذا شغلت العقل فالْهُ سويعةً * فاللهو من تعب العقول جمام
إن الجسوم إذا تكون نشيطةً * تقوى بفضل نشاطها الأحلام
ختاما
تعتبر قصيدة كرة القدم للشاعر معروف الرصافي ، تحفة فنية رائعة ، بينت قدرة الشعر على الاندماج والتصوير في أي زمان أو مكان ، ومهما كانت ماهية الشيء ، فلغته الساحرة البليغة كما ذكرنا في بداية الموضوع ، مرنة وقادرة على أن تساير أي عصر مهما بلغ تقدمه وتطوره .