المهنة : الغارات وقطع الطرق .
المكان : الجبال – الصحاري – بين الوديان – الكهوف .
صفاتهم : قسوة الملامح – ثورة في المبادئ – قوة – سرعة العدو – نظم الأشعار .
خذوا حذركم وخبّئوا هواتفكم و لترحبوا معي بــــ الشعراء الصعاليك .
من هم الشعراء الصعاليك ؟
من خلال الورقة التعريفية أعلاه فهم مجموعة من قطاع الطرق اتخذوا من النهب والترويع مهنة لهم ، ثائرين على التميز الطبقي والفقر ، مشكلين مبادئ خاصة بهم ساقوها في أشعارهم .
وبالوقوف عند كلمة الصعلوك في اللغة العربية فهي تعني الفقير الذي لا يملك من المال ما يعينه على أعباء الحياة ، وأشعار هؤلاء الصعاليك تدل على مدى ثورتهم على الجوع والفقر ، والأغنياء الذين يكدسون ثرواتهم ويتركون الفقراء مشردين ، فعملوا بمبدأ ‘ الغاية تبرر الوسيلة ‘ ، فكانت الصعلكة شعارهم وعنوانهم البارز ، وانقسموا عموما إلى ثلاث مجموعات :
1 – مجموعة المطرودين من قبائلهم بسبب جرائمهم وعلى رأسهم قيس بن الحدادية ، حاجز الأزدي .
2 – مجموعة من أبناء الحبشيات السود الذين نبذهم آبائهم لعار ولادتهم وعلى رأسهم السليك بن السلكة ، تأبط شرا ، الشنفرى .
3 – مجموعة الصعاليك الأقحاح وهم الذين اتخذوا الصعلكة فلسفة حياة لهم وأبرزهم قائد الصعاليك عروة بن الورد .
أبرز شعراء الصعاليك
الشعراء الصعاليك كما ذكرنا شكلوا مجموعات كثيرة ومتنوعة على اختلاف توجهاتهم ومبادئهم وقيمهم ، فمنهم من كان ينهب ويقتل دون أي ذرة شفقة ، ومنهم من كان ينهب لأجل حاجته ، ومنهم من كان يحترم كرام الناس وأنبلهم فلا يتعرض لهم ، وسنعرض عليكم أكثر الصعاليك شهرة وصيتا .
السليك بن السلكة
هو السليك بن عمير وأمه الشاعرة الحبشية السوداء وتدعى السلكة ، كان من أشد رجال العرب وأسرعهم في العدو حتى يقال ‘ أعدى من السليك ‘ ، ناهيك عن خبرته ومعرفته الكبيرة بتضاريس الصحراء وأماكن الاختباء فيها ، كان يحسن ركوب الخيل وكغيره من الشعراء الصعاليك كان شديد العناية بفرسه ويفتخر به ، ويسمى فرس السليك بالنحّام .
لم تدون الأخبار الكثيرة عن الشاعر السليك ، وضاع أغلب شعره ، لكن كغيره من الشعراء الصعاليك كان دائم التغني بمغامراته ومفتخرا بشجاعته ، ومنها قصة إغارته على أحد البيوت ، حيث كان ربّها شيخا ذا إبل ومتاع ، وبينما هو ينظرها ترد الماء ، إذ ينقضّ عليه السليك ويطيح برأسه ، ويهرب بالإبل ، ويشاركها أصحابه ، وقال في ذلك :
وعاشيةٍ راحت بطانا ذعـرتـهـا * بسوط قتيل وسطـهـا يتـسـيف
كأن عليه لـون بـرد مـحـبـر * إذا ما أتـاه صـارخ يتـلـهـف
فبات لها أهل خـلاءٌ فـنـاؤهـم * ومرت بهم طير فلـم يتـعـيفـوا
وباتوا يظنون الظنون وصحبـتـي * إذا ما علوا نشزا أهلوا وأوجفـوا
وما نلتها حتى تصعلكـت حـقـبة * وكدت لأسباب المـنـية أعـرف
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني * إذا قمت تغشاني ظلال فـأسـدف
لقد أسرف السليك على نفسه بالقتل والنهب ، بل والاغتصاب حيث يروى أنه اعتدى على امرأة من أصحابه ، فقررت قبيلته الأخذ بالثأر ، وهذه المرة لم ينفع السليك عدوه أو هروبه ، فقتل شر قتلة .
الشنفرى
هو ثابت بن أوس الأزدي الملقب بالشنفرى ومعناه الغليظ الشفاه ، ويعد من أغربة العرب ( من سواد الغراب ) ، وذلك لأنه كان من أم حبشية ، وهو على عكس الفارس الأسود عنترة ، قرر أن يكون قاطع طريق لكل ذي مال متبجح بنسبه وثروته ، فكان ينتقل من حي إلى حي ، مروعا النساء والأطفال ، ويعتبر إلى جانب السليك من أشهر العدائين العرب ، ولديه فرس يسمى اليحموم ، وقد تلقى أصول الصعلكة على يد أحد زعمائها تأبط شرا .
ومما يروى عنه أنه قرر الانتقام من إحدى القبائل أخذا بثأر أبيه ، وأقسم على أن يقتل مئة رجل منهم ، وتمكن من قتل تسعة وتسعين قبل أن ينصبوا له كمينا ، فكان مصيره أشد من السليك حيث قطعوا جسده ورموا بلحمه للوحوش ، ويحكى أن رجلا منهم عثر بجمجمته فدخلت شظية منها برجله فقتلته ، فتم بذلك للشنفرى انتقامه بقتل مائة رجل .
أما عن شعر الشنفرى فأغلبه يصب في الفخر بمغامراته وشدة بأسه ، وأشهر ما ترك قصيدته المعروفة بلامية العرب ، حيث يتحدث عن عزة نفسه ، وتنكر قبيلته له فيقول :
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى * وفيها لمن خاف القلى متعزّل
أديم مطال الجوع حتى أميته * وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل
وأستفّ ترب الأرض كي لا يرى له * عليّ من الطول امرؤ متطوّل
تأبط شرا
هو ثابت بن جابر بن سفيان من أغربة العرب أيضا ، ومن لقبه ستدرك طباع الشاعر ، وأصل ذلك يرجع إلى أمه حيث رأته ذات مرة متأبطا جرابا ( يضعه تحت إبطه ) فلما سألوها عن أمره قالت : تأبط شرا ومضى لوجهه ، بل يتوسع هذا اللقب فيشمل كل حياته ككل ، إذ كان دائما يأتي بمصيبة وجناية ، فاستحق هذا اللقب واستحقه .
تعرف على الشنفرى وعلّمه أصول الصعلكة فشكل معه ثنائيا لا يقهر ، وعلى غرار أقرانه كان شعره ينصب في ذكر المغامرات والفخر بصولاته وغاراته ، ومنها يروي إحدى غاراته التي انتهت بنصب كمين له ففر هاربا كطلقة السهم ، وفي ذلك يقول :
ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم * بالعيكتين لدى معدى ابن براق
كأنما حثحثوا حصّا قوادمه * أو أم خشف بذي شثّ وطباق
لا شيء أسرع مني ليس ذا عذر * وذا جناح بجنب الريد خفّاق
حتى نجوت ولما ينزعوا سلبي * بواله من قبيض الشد غيداق
وما زال تأبط شرا يقوم بمغامراته ، ويغير على المنازل ويروع أهلها حتى لقي حتفه في أحدها ، وتلك النهاية الطبيعية لكل صعلوك .
عروة بن الورد
الأب الروحي للشعراء الصعاليك وزعيمهم وحكيمهم ، ولا تتعجبوا إن قلت حكيما ، فبالنظر إلى تاريخ عروة فهو لم يخرج إلى الصعلكة بسبب جناية أو أذى ، بل حمل في قلبه همّ قبيلة أمه التي كانت وضيعة لا شرف لها ولا صيت ، بعكس قبيلة والده عبس والتي اشتهرت ببطولاتها في حرب داعس والغبراء .
كل هذه العوامل جعلت عروة يخرج إلى الصعلكة واضعا نصب أعينه أن ينهب الأغنياء لإعانة الفقراء والمحتاجين ، أو تخليصهم من الظلم والاستعباد ، فكان بطلا في نظرهم ، وبعكس الشنفرى وبقية الصعاليك ، لم يكن متعطشا للدماء وترويع الناس ، بل – كما قلنا – كان حريصا على مبادئه ، فاستحق أن يكون زعيم الصعاليك ، فكان يأويهم ويداوي مرضاهم ، ويسعف جرحاهم ، فكان للصعلكة مفهوم مغاير لما ألفناه عنها مع عروة .
أما عن شعر عروة فهو مثال للنبل والفروسية والكرم وعزة النفس ، ويتجلى ذلك واضحا في أبياته الشهيرة والني يرد فيها على أحد أصحابه الذي عايره بالضعف وشحوب اللون فأجابه بأنه كريم يشارك الفقراء الأكل في إناء واحد ، وما ضعفه وضمور جسمه إلا لحرصه على إشباع الجوعى والعطف عليهم ، فيقول :
إني امرؤ عافى إنائي شركة * وأنت امرؤ عافى إنائك واحد
أتهزأ مني إن سمنتَ وأن ترى * بجسمي شحوب الحق ، والحق جاهد
أفرق جسمي في جسوم كثيرة * وأحسو قراح الماء والماء بارد
أما عن وفاته ، فرغم نبله وكرمه إلا أنه تلقى المصير المحتوم كغيره من إخوانه الصعاليك ، فقتل في إحدى غاراته ، وكانت بذلك نهاية الرجل الذي أخرج الصعلكة من مفهومها الجنوني المرعب إلى معاني وقيم نبيلة وحسنة .
مراجع :
– تاريخ الأدب العربي ( شوقي ضيف ) .