نظم شعراء العرب في المديح منذ الجاهلية بدافع الإعجاب بالفضائل المتعارف عليها . فكان هم الشاعر أن يرفع من شأن قبيلته وأحلافها والتغني بالكرم وحسن الضيافة والبطولة والشرف وأصالة النسب .
كان للشاعر في الجاهلية مكانة كبيرة لدى الملوك والعظماء وكانت القبيلة تفتخر بولادة شاعر فيها يرفع من شأنها ويهاجم أعداءها .
تطور فن المديح في الجاهلية وأصبح صناعة يبيعها الشعراء عند أعتاب الملوك والزعماء ، وأدرك هؤلاء أثر الشعر في تحقيق أهدافهم فقربوا الشعراء وأغدقوا عليهم المال .
أجمل أبيات الشعر الجاهلي في المدح ( 1 )
زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان :
بل اذكرن خير قيس كلها حسبا * وخيرها نائلا وخيرها خلقا
وذاك أحزمهم رأيا إذا نبأ * من الحوادث غادى الناس أو طرقا
من يلق يوما على علاته هرما * يلق السماحة منه والندى خلقا
لو نال حي من الدنيا بمنزلة * أفق السماء لنالت كفه الأفقا
الأعشى يمدح هوذة بن علي سيد بني حنيفة :
إلى هَوْذَة َ الوَهّاب أهْدَيْتُ مِدحتي * أرجّي نوالا فاضلاً منْ عطائكا
سَمِعتُ بسَمعِ البَاعِ وَالجودِ وَالندى * فأدلَيتُ دَلْوِي ، فاستَقتْ برِشائِكَا
فتى يَحمِلُ الأعباءَ ، لَوْ كانَ غَيرُهُ * من النّاسِ لمْ ينهضْ بها متماسكا
وَأنْتَ الّذِي عَوّدْتَني أنْ تَرِيشَني * وَأنْتَ الّذِي آوَيْتَني في ظِلالِكَا
وإنّكَ فِيمَا بَيْنَنَا فيّ مُوزَعٌ * بخيرٍ ، وإنّي مولعٌ بثنائكا
النابغة الذبياني يمدح الملك الغساني عمرو بن الحارث وقومه بعد هربه من النعمان بن المنذر :
كليني لهمٍ ، يا أميمة ، ناصبِ * وليلٍ أقاسيهِ ، بطيءِ الكواكبِ
عليَّ لعمرو نعمة ، بعد نعمة * لوالِدِه ، ليست بذاتِ عَقارِبِ
وثقتُ له النصرِ ، إذ قيلَ قد غزتْ * كتائبُ منْ غسانَ ، غيرُ أشائبِ
إذا ما غزوا بالجيشِ ، حلقَ فوقهمْ * عَصائبُ طَيرٍ ، تَهتَدي بعَصائبِ
ولا عَيبَ فيهِمْ غيرَ أنّ سُيُوفَهُم * بهنّ فلولٌ منْ قراعِ الكتائبِ
أجمل أبيات الشعر الجاهلي في المدح ( 2 )
عروة بن الورد يمدح سيد القوم ربيع :
لِكُلِّ أُناسٍ سَيِّدٌ يَعرِفونَهُ * وَسَيِّدُنا حَتّى المَماتِ رَبيعُ
إِذا أَمَرَتني بِالعُقوقِ حَليلَتي * فَلَم أَعصِها إِنّي إِذاً لَمَضيعُ
حسان بن ثابت يمدح أمراء البلاط الغساني قبل الإسلام :
يُغشَوْنَ، حتى ما تهِرُّ كلابُهُمْ * لا يسألونَ عنِ اليوادِ المقبلِ
يسقونَ منْ وردَ البريصَ عليهمِ * بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرّحِيقِ السَّلسَلِ
بِيضُ الوُجُوهِ ، كريمَة أحسابُهُمْ * شُمُّ الأنوفِ ، من الطّرَازِ الأوّلِ
الحطيئة يمدح آل شماس في قصيدته الدالية التي تعتبر من خير ما قاله الجاهليون في المدح :
ألا طرقتنا بعد ما هجدوا هندُ * وقَدْ سِرْنَ غَوْرَاً واستبان لنا نَجْدُ
ألا حبّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ * وهِنْدٌ أتى مِنْ دُونها النَّأْيُ والبُعْدُ
وإنَّ التي نَكَّبْتها عن مَعَاشِرٍ * على غضاب أن صددتُ كما صدّوا
أتت آل شماس بن لأي وإنّما * أتاهُمُ الأحْلامُ والحَسَبُ العِدُّ
فإنَّ الشَّقِيَّ من تُعَادِي صدُورُهم * وذو الجَّدِّ مَنْ لانُوا إليه ومَنْ ودُّوا
يَسُوسون أحلاما بَعِيدا أنَاتُها * وإن غصبوا جاء الحفيظة والجدّ
أولئك قومٌ إنْ بَنَوْا أحْسَنُوا البُنَى * وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
وإنْ كانت النَّعْمَاءُ فيهم جَزَوْا بها * وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
مَغاويرُ أبطالٌ مَطاعيمُ في الدُّجَى * بَنى لهُمُ آباؤهم وبَنى الجَدُّ
أجمل أبيات الشعر الجاهلي في المدح ( 3 )
عنترة بن شداد يمدح الملك زهير بن جذيمه العبسي :
واتكالي على الذي لكما أبصر * ذلي يزيد في تعظيمي
ومعيني على النوائب ليث * هو ذخري وفارج لهمومي
ملك تسجد الملوك لذكرا * هُ وتومي إليه بالتفخيم
وإذا سار سابقته المنايا * نحو أعداه قبل يوم القدوم
عنترة بن شداد يمدح الملك الفارسي كسرى أنوشروان :
يا أيها الملكُ الذي راحاتُهُ * قامَتْ مَقامَ الغيْثِ في أزمانِهِ
يا قِبْلَة َ القُصَّادِ يا تاجَ العُلا * يا بدْر هذا العصر في كيوانه
يا مُخجِلاً نَوْءَ السَّماء بجُودهِ * يا مُنْقذَ المحزونِ منْ أحزانه
يا ساكِنينَ ديارَ عبْس إنني * لاَقيْتُ منْ كِسرى ومنْ إحْسانه
ما ليْس يوصَفُ أو يُقَدَّرُ أوْ يَفي * أوْصافَهُ أحدٌ بوَصْفِ لسانه
ملكٌ حوى رتبَ المعالي كلّها * بسموِّ مجدٍ حلَّ في إيوانه
مولى به شرفَ الزَّمانُ وأهلهُ * والدَّهْرُ نالَ الفَخْرَ من تيجانه
وإذا سطا خافَ الأنامُ جميعهم * منْ بأْسهِ واللّيثُ عنْد عِيانِه
ملكٌ إذا ما جالَ في يوم اللّقا * وَقَفَ العدُّو مُحيَّرا في شانه
والنَّصْرُ من جُلَسائِهِ دونَ الورى * والسَّعد والإقبالُ من أعوَانه
فلأشكرنَّ صنيعه بينَ الملا * وأُطاعِنُ الفُرْسانَ في مَيْدانِهِ
مصادر :
– المديح في الشعر العربي ( سراج الدين محمد ) .