سنتحدث اليوم عن شاعر بلغ من الشهرة والصيت ما فاق الحدود ، بسبب قصيدة طويلة في مدح خير خلق الله ، محمد – عليه الصلاة والسلام – . نتحدث عن صاحب البردة البوصيري .
من هو البوصيري ؟
هو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري ، ولد بقرية دلاص بمصر سنة 608 هـ لأسرة تنحدر من قبيلة صنهاجة التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى ، ونشأ بقرية بوصير القريبة من مسقط رأسه ، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب .
وقد تلقى البوصيري العلم منذ نعومة أظافره على يد علماء معروفين في زمانه ، فاحترف إقراء القرآن ، ودراسة الأديان ، وكان كثيرا ما يشكو حاجته وفقره ، ويهجو موظفي الدواوين ، ويذكر مساوئهم في أسلوب ظريف . وقد امتدت الحياة به حتى وافته المنية سنة 695 هـ عن عمر بلغ 87 عاما .
خصائص شعر البوصيري
نظم البوصيري الشعر منذ حداثة سنه وله قصائد كثيرة ، ويمتاز شعره بالرصانة والجزالة ، وجمال التعبير ، والحس المرهف ، وقوة العاطفة ، واشتهر بمدائحه النبوية التي أجاد استعمال البديع فيها من غير تكلف ، وهو ما أكسب شعره ومدائحه قوة ورصانة وشاعرية متميزة لم تتوفر لكثير ممن خاضوا غمار المدائح النبوية والشعر الصوفي .
وتعد ‘ البردة ‘ من أشهر قصائده على الإطلاق ، ولقد بلغت من الشهرة أنها شرحت وفسرت أكثر من تسعين مرة في العربية ، والفارسية ، والتركية ، والبربرية ، وقد أجمع النقاد على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة كعب بن زهير الشهيرة ‘ بانت سعاد ‘ .
آثار ومؤلفات البوصيري
ترك البوصيري عددا كبيرا من القصائد والأشعار ، يصب أغلبها في مدح الرسول الكريم والتصدي لأهل الكتاب ، وأهم هذه القصائد : همزيته التي سماها ” أم القرى في مدح خير الورى ” ، وبردته التي دعاها “ الكواكب الدرية في مدح خير البرية ” .
وله قصيدة ” ذخر المعاد ” ، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان ” المخرج والمردود على النصارى واليهود ” ، وله أيضا ” تهذيب الألفاظ العامية ” .
أشعار البوصيري
نترككم الآن مع مجموعة مختارة من أشعار البوصيري الخالدة :
بردته الشهيرة
أمن تذكر جيران بذى سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة * وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا * وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم * ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل * ولا أرقت لذكر البان والعلم
فكيف تنكر حبا بعد ما شهدت * به عليك عدول الدمع والسقم
همزيته الشهيرة
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ * يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ
لَمْ يُساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حا * لَ سنا مِنك دونَهم وسَناءُ
إنّما مَثَّلُوا صِفاتِك للنا * س كما مثَّلَ النجومَ الماءُ
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَص * دُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ
لكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَي * بِ ومنها لآدمَ الأَسماءُ
لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَا * رُ لك الأُمهاتُ الأَباءُ
ما مضتْ فَترةٌ من الرُّسْلِ إِلّا * بَشَّرَتْ قومَها بِكَ الأَنبياءُ
تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو * بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ
بائيته الشهيرة
وافاك بالذنبِ العظيمِ المذنبُ * خجلاً يعنفُ نفسهُ ويؤنبُ
لم لا يشوبُ دموعهُ بدمائه * ذو شيبة ٍ عوراتها ماتخضبُ
لَعِبَتْ به الدنيا ولولا جَهْلُه * ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعَبُ
لَزمَ التَّقَلُّبَ في معَاصي رَبِّهِ إ * ذْ باتَ في نَعْمائِه يَتَقلَّبُ
يستغفرُ الله الذنوبَ وقلبه * شرهاً على أمثالها يتوثبُ
يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ * فكأَنَّه فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ
أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِيا * فكأَنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ
ضاقت مذاهبه عليه فما له * إلاّ إلى حرم بطيبة مهربُ
في رده على أهل الكتاب
أوْ جَلَّ مَنْ جَعَلَ اليَهُودُ بِزَعْمِكُمْ * شوكَ القتادِ لرأسهِ إكليلا
ومضى بحملِ صليبهِ مستسلما * للموتِ مكتوفَ اليدينِ ذليلا
كم ذا أبكتكمْ ولمْ تستنكفوا * أنْ تَسْمَعُوا التَّبْكِيتَ والتَّخْجِيلا
ضلَّ النصارى في المسيحِ وأقسموا * لايهتدون إلى الرشادِ سبيلا
جَعَلوا الثَّلاثَة َ واحِدا وَلَو اهْتَدوا * لمْ يَجْعَلُوا العَدَدَ الكَثيرَ قليلا
عَبَدُوا إلها مِنْ إلهِ كائِنا * ذا صورة ضلوا بها وهيولى
مراجع ومصادر :
– المدائح النبوية ( محمد علي مكي ) .